هذا استقبال رائع- صحبه تكبير أهل المدينة لمقدم النبى صلّى الله عليه وسلّم، فقد كان هناك استقبال عملى أروع فى معناه، وهو تزاحم أهل كل بطون الأوس والخزرج، فى أن يأخذ بناقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، لتكون إقامته بينهم.
جاء رجال من بنى سالم، فقالوا: يا رسول الله أقم عندنا فينا العدد والعدة والمنعة، وأخذوا بزمام الناقة، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «خلوا سبيلها فإنها مأمورة» .
وجاء رجال من بنى بياضة. فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والعدة والمنعة، قال عليه الصلاة والسلام: خلوا سبيلها فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها، فانطلقت حتى إذا مرت بدار بنى ساعدة، اعترضه سعد ابن عبادة والمنذر بن عمرو فى رجال من بنى ساعدة، فقالوا: يا رسول الله هلم إلينا إلى العدد والمنعة، فقال عليه الصلاة والسلام: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها، فانطلقت حتى إذا وازت دار بنى الحارث بن الخزرج اعترضه معاذ بن ربيعة، وخارجة بن زيد، وعبد الله بن رواحة، فى رجال من بنى الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا رسول الله هلم إلى أخوالك، ومنهم أم عبد المطلب جد النبى صلّى الله عليه وسلّم قالوا: هلم إلى العدد، والعدة، والمنعة، فقال عليه الصلاة والسلام: خلوا سبيلها، فإنها مأمورة، فخلوا سبيلها.
فانطلقت حتى إذا أتت دار بنى مالك بن النجار بركت، وكان ذلك عند دار أبى أيوب الأنصارى، ويقول ابن إسحاق: لما بركت لم ينزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنها، حتى وثبت، فسارت غير بعيد، ورسول الله، واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه. ثم نزل عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رحله فوضعه فى بيته، ونزل عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى بنى المسجد، وبنى له دارا.
[خطب لرسول الله صلي الله عليه وسلم]
٣٣٢- تدل هذه الأخبار التى سقناها، على أن الأنصار الذين دخلوا فى الإسلام كانوا يرحبون بالنبى صلّى الله عليه وسلّم فى بيوتهم فرادى، وجماعات، وأنهم بيوتا وبطونا كانوا يستعدون بعددهم، ويعطون العهد، على المنعة والحرب معه، من غير تحفظ ولا شرط.
ويظهر أن ذلك كان يثير غضب المشركين فيهم، وخصوصا الذين صاروا من بعد منافقين، يبطنون ما لا يظهرون أو يخفون مالا يبدون، ولقد روى أنه ما مر بأهل بيت إلا أعلنوا التأييد وأبدوا الترحيب إلا عبد الله بن أبى الذى صار من بعد زعيم النفاق فى المدينة الطاهرة.