٣٦٢- هذه كلمة تقدمنا بها عند الكلام في حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لنرد بها قول الذين يتقولون الأقاويل في حرب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، ويزعمون أن الحروب والدمار ليست من أعمال النبيين، وهى فرية افتروها، فإنه مادام الإنسان ابن الإنسان، فإنه لا بد من مغالبة.
ومن وقت أن امتنع إبليس عن السجود لآدم استكبارا أو استعلاء، والمعركة بين الخير والشر قائمة، والعداوة مستحكمة بين الرذيلة تعتدى والفضيلة تدفع، ومن وقت أن نزل آدم وذريته إلى الأرض، وإبليس الذى قال لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (ص- ٨٢، ٨٣) ، من هذا الوقت وقد تحقق قول الله سبحانه وتعالى: اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً، بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ (طه: ١٢٣) والنزاع بين الخير والشر قائم. وليس من الفضيلة أن يترك الشر يرتع ولا يدفع، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (البقرة- ٢٥١) .
وإن أولئك الذين يعترضون على قتال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لا يتصورون الحرب إلا مغالبة بشرية كما تتغالب الوحوش على فريسة تأكلها، أو على غابة تحتلها. ولا يتصورون لفرط ماديتهم أن الحرب تكون لإعلاء الحق وخفض الباطل، وكذلك كانت حروب النبيين موسى وداود، وسليمان، وغيرهم من الأنبياء، وما كان قتالهم شرها إلى الدماء، فمعاذ الله وتنزهت ذاته الكريمة فلا يرسل إلا ملكا كريما.
وننتهى من هذا إلى تقرير هذه الحقائق التى بدت من البحث واضحة نيرة:
الحقيقة الأولى: أن حرب محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، كانت أمرا لا بد منه، ليقيم الحق ويخفض الباطل، وما كانت رسالته تدعو إلى استخذاء الخير أمام الشر، وما كانت دعوتهم لتسير في مسارها إلا إذا أزالت الحواجز التى كانت تحاجز دونها، ليتم التبليغ. والناس بعد ذلك يختارون الهداية أو يستمرون على الغواية: فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (الزمر: ٤١) .
الحقيقة الثانية: أن حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم كانت حربا فاضلة مثالية تعلم الإنسان أنه قد يكون محاربا وهو فاضل، وأن الإنسانية تحترم، والسيوف مشتجارة.
الحقيقة الثالثة: أن حرب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ومن يتبعونه في هديه، ويتخذونه