للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شعيب ومدين:]

٣٤- جاء شعيب بعد إبراهيم وبعد لوط. وقيل أنه كان بعد يوسف عليهم السلام، ومن المؤكد أنه جاء بعد لوط لأنه جعل من إنذاره لقومه أن يصيبهم مثل ما أصاب قوم لوط، فقد قال الله تعالى عنه: وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ «١» .

وإن هذا النص القرانى السامى يدل على أمرين:

أولهما: أن مبعث شعيب عليه السلام كان بعد مبعث هود وصالح ولوط، فقد جعل فى بيانه ما حدث لأقوام هؤلاء من عذاب دنيوى ما حق كان موضع إنذار لهم.

ثانيهما: أنه يدل على أن قوم لوط كانوا فى العرب، ولذلك قال سبحانه وتعالى: وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ «٢» فهم كانوا على مقربة منهم، فهم كانوا مثلهم فى أطراف أرض العرب من ناحية الشام، إذ قد اختار لوط محلة غير المحلة التى كان بها عمه إبراهيم عليهم جميعا الصلاة والسلام، فهم من صفوة خلق الله الذين اصطفاهم على عباده، وكانوا رسلا مبشرين ومنذرين، وتركوا رسالات خالدة خلدها القران الكريم.

ولا نترك الكلام فى شعيب من غير أن نذكر كلمتين:

إحداهما: أنه بعث لمدين، وأهل مدين هم أهل الأيكة، إذ كانوا يعبدون شجرة عظيمة هى الأيكة، وهم أصحاب يوم الظلة، وقد ذكر علماء تاريخ الأنبياء أن يوم الظلة يوم فيه حر شديد أصابهم، وأسكن الله تعالى هبوب الهواء عليهم سبعة أيام، فكان لا ينفعهم مع ذلك ظل ولا ماء، ولا دخول فى الأسراب، فهربوا من محنتهم إلى البرية فأظلتهم سحابة، فاجتمعوا تحتها، ليستظلوا بظلها، فلما تكاملوا أرسلها الله تعالى عليهم ترميهم بشرر وشهب، ورجفت بهم الأرض، وجاءتهم صيحة من السماء فأزهقت الأرواح، وخرت الأشباح.

هذا ما ذكره ابن كثير فى معنى الظلة والصيحة التى أصيب بها قوم شعيب، وقد ذكر سبحانه وتعالى الرجفة والصيحة، فقد قال سبحانه وتعالى فى قصتهم فى سورة الأعراف فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ «٣» ، وجاء فى سورة هود أنه وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ «٤» .


(١) سورة هود: ٨٩.
(٢) سورة هود: ٨٩.
(٣) سورة الأعراف: ٧٨.
(٤) سورة هود: ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>