للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد ذكر ابن عباس فقال: «كان أجود الناس بالخير، وأجود ما يكون فى شهر رمضان، وكان إذا لقيه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة» .

فالجود صفة ملازمة له تعلو ولا تنزل، تعلو فى رمضان، ويسمو علوها فى العشر الأخيرة من رمضان عندما يذاكره جبريل القران.

وقد كان الجود خلقه قبل البعث، كما استمر من بعد البعث، إذ كل شيء فيه قد ازداد خيرا، ولقد قالت له خديجة رضى الله عنها: «إنك تحمل الكل، وتكسب المعدوم» .

وقد جاء فى كتاب الشفاء أنه رد على هوازن سباياها، وكانت ستة الاف، وأعطى إليه العباس من الذهب ما لم يطق حمله، وحمل إليه تسعون ألف درهم، فوضعت على حصير، ثم قام إليها فقسمها.

فكان من كرمه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يوزع كل ما يجيء إليه من غنائم، ولا يبقى منها لنفسه شيئا، إلا ما يكفيه.

وما كان يرد طالب حاجة قط، حتى كان يبلغ به الجود (أن يجود بالموجود كله) بل إنه إذا لم يكن الوجود حمل عبء الدين ليسد الحاجات، جاءه رجل يسأله حاجة، فقال: ما عندى شئ، ولكن ابتع على، فإذا جاءنا شيء قضيناه. ولقد قال عمر رضى الله تعالى عنه، وقد رأى محمد بن عبد الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتحمل ثمن البياعات، ليؤديه إذا لم يكن معه- قال له: «ما كلفك الله تعالى ما لا تقدر عليه» فكره النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من صاحبه ووزيره عمر الفاروق ذلك، لأنه لا يريد أن يحول أحد بينه وبين سجيته التى فطره الله تعالى عليها، والتى جعلته فوق الكرماء والأجواد.

ولقد لاحظ ذلك أنصارى كان فى حضرة الرسول وصاحبه فقال يا رسول الله، أنفق ولا تخش من ذى العرش إقلالا، فتبسم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعد إذ كره، وعرف البشر فى وجهه، وقال: بهذا أمرت. وذكر الخبر الترمذى.

ولقد كان جوده من فرط اعتماده على الله تعالى مع اتخاذ الأسباب، ولأنه يؤثر على نفسه، ولأنه حمل نفسه سد حاجة أى محتاج، فهو جود من قبيل تحمل الأعباء، لا من قبيل السخاء المجرد، لقد قال عليه الصلاة والسلام، وصدق فعله قوله «من ترك مالا فلورثته، ومن ترك عيالا فإلىّ وعلىّ» .

فمال الناس لأنفسهم إلا ما يفرض من زكوات عليهم، وأما الذين لا يستطيعون أن يعولوا أنفسهم، فهم يكونون فى عياله، وعليه واحده تحمل أعبائهم، ذلك أن الفقراء عيال الله، ويحملهم رسول الله.

يقول أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. «كان رسول الله لا يدخر شيئا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>