للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهكذا أخذ يحصى الأخوة بهذا التاخى بين المهاجرين والأنصار، فذكر المؤاخاة بين بلال مؤذن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مع أبى رويحة.. وقد استمرت الأخوة بينهما لا تنقطع، كالشأن في كل من آخى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بينهم.

ولما دون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الدواوين بالشام، وكان بلال قد خرج إلى الشام، وأقام بها مجاهدا، قال له عمر: إلى من تجعل ديوانك، فقال: مع أبى رويحة، لا أفارقه أبدا، للأخوة التى كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قد عقدها بينه وبينى، فضم إليه.

وقد أنكر ابن القيم مؤاخاة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لعلى بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه، وقال في ذلك: «وقد آخى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار» وذكر ما نقلناه عن محمد بن إسحاق، ثم قال:

«وقد قيل إن نبيه آخى بين المهاجرين بعضهم مع بعض مؤاخاة ثانية، واتخذ فيها عليا أخا لنفسه» .

والثابت الأوّل «أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فقط» والمهاجرون كانوا مستغنين بأخوة الإسلام وأخوة الدار وقرابة النسب عن عقد مؤاخاة بخلاف المهاجرين مع الأنصار، ولو آخى بين المهاجرين، كان أحق الناس بأخوته أحب الخلق إليه، ورفيقه في الهجرة، وأنيسه في الغار، وأفضل الصحابة، وأكرمهم عليه، أبو بكر الصديق، وقد قال صلى الله تعالى عليه وسلم: «لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا، لا تخذت أبا بكر خليلا» .

وهكذا نرى الإمام ابن القيم ينكر الرواية لمجرد الاستبعاد، ولم يتعرض للطعن في الرواية، ويقصر المؤاخاة والباعث عليها على ما كان بين المهاجرين والأنصار، لأجل توثيق الإيواء، وحاجة المهاجرين إليه، ولا يحتاج إليه المهاجرون بعضهم لبعض، ولا الأنصار بعضهم لبعض.

ولقد وافق ابن القيم في هذا ابن كثير فقال فيما نقله ابن إسحاق: «وفي بعض ما ذكره نظر، أما مؤاخاة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فمن العلماء من ينكر ذلك، ويمنع صحته، ومستنده في ذلك أن هذه المؤاخاة إنما شرعت لأجل ارتفاق بعضهم من بعض ولتتألف قلوب بعضهم على بعض، فلا معنى لمؤاخاة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لأحد منهم، ولا لمهاجرى آخر، كما ذكره من مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة، اللهم إلا أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لم يجعل مصلحة على إلى غيره، فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يجعل مصلحة على إلى غيره، فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من صغره في حياة أبيه أبى طالب وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاه زيد بن حارثة فاخاه بهذا الاعتبار، والله تعالى أعلم» «١»


(١) البداية والنهاية للحافظ ابن كثير ج ٢ ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>