للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما وقف على النادى، قال سعد: ما فعلت. قال كلمات الرجلين، فو الله ما رأيت بهما بأسا.

وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت، وقد حدثت أن بنى حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه، وذلك أنهم عرفوا أنه ابن خالتك، ليحقروك.

فقام سعد مغضبا مبادرا، مخوفا للذى ذكر له من بنى حارثة، وأخذ الحربة فى يده، ثم قال: والله ما أراك أغنيت شيئا.

ثم خرج إليهما سعد، فلما راهما مطمئنين عرف أن أسيدا، إنما أراد أن يسمع منهما فوقف متشمتا، ثم قال سعد بن معاذ: والله يا أبا أمامة لولا ما بينى وبينك من القرابة، ما رمت هذا منى، أتغشانا فى دارنا بما نكره.

قال أسعد لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه قومه إن يتبعك لا يتخلف منهم اثنان.

قال مصعب: أو تقعد فتسمع، فإن رضيت أمرا رغبت فيه قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره.

قال سعد: أنصفت، ثم ركز الحربة وجلس. وعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القران الكريم، وذكر موسى بن عقبة أنه قرأ عليه أول سورة الزخرف حم. وَالْكِتابِ الْمُبِينِ. إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ. أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ. وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ فعرفنا فى وجهه الإسلام قبل أن يتكلم فى إشراقه وتسهله.

ثم قال سعد لهما: كيف تصنعون إذا أنتم دخلتم فى هذا الدين، قالا: تغتسل فتطهر، وتطهر ثوبيك ثم تشهد شهادة الحق، ... وقد أخذ حربته بعد أن فعل ما أشار به، فأقبل عائدا إلى نادى قومه، فلما راه قومه مقبلا، قالوا: نحلف بالله لقد عاد اليكم سعد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم، فلما وقف عليهم، وقف داعيا للإسلام، ويقول:

يا بنى عبد الأشهل، كيف تعلمون أمرى فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيماننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم على حرام، حتى تؤمنوا بالله ورسوله «١» .

اجتمع مصعب وأسعد بن زرارة وسعد بن معاذ فى منزل أسعد، وأخذوا يدعون إلى الإسلام حتى فشا فى يثرب فأسلم بنو عبد الأشهل رجالا ونساء.

وقد فصلنا القول فى دعاية مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة، ونقلنا لك المجاوبة التى جرت بين الزعماء والكبراء، فإن الاستماع إلى كلمات الرجال، كما جرت على أفواههم تصور حالهم ونفوسهم.


(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص، ١٥٢، ١٥٣

<<  <  ج: ص:  >  >>