فتحوا الصحيفة فوجدوها كما قال الصادق المصدق، وسنبين بعض الصحيفة من البيان، ومن دعا إليه ولم يذعنوا للحق إذ جاءتهم بيناته، بل أصروا على الكفر والعناد، وقالوا مقالة الكفر، وقالوا إن هذا إلا سحر من صاحبكم، وارتكسوا، وعادوا بشر مما كانوا عليه من كفرهم والشدة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فزادتهم الاية كفرا.
فقال قائل للنفر من بنى عبد المطلب الذين كانوا فى صحبة أبى طالب: إن غيرنا أولى بالكذب والسحر، فكيف ترون، فإنا نعلم أن الذى اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر، ولولا أنكم اجتمعتم على السحر لم تفسد صحيفتكم، وهى فى أيديكم، طمس ما كان فيها من الحنث، وما كان من اسم الله، أفنحن السحرة أم أنتم؟
كانت كلمات أبى طالب ومن معه من أسرته ان لم تكن قد شقت قلوبهم لقبول الحق، فقد شقت صفوفهم التى كانت مجمعة بالباطل. فظهر النفر من بنى قصى وبنى عبد مناف، وغيرهما وكانوا قد تلاوموا من قبل على الصحيفة وأمرها، وفيهم من كانت الصحيفة عنده، وجاهروا بما فى نفوسهم وقالوا حاسمين قاطعين، غير مترددين، ولا ناكصين. قالوا فى حزم: نحن براء مما فى هذه الصحيفة.
وقال أبو جهل الخبيث فى ذات نفسه، والضال فى فكره وعقله: وهذا أمر قضى بليل «١» .
٢٧١- كان النتيجة التى تستخلص من هذه القصة أن قريشا بلغت بهم لجاجة الكفر أن يحاولوا قتل محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وأن يندفعوا فى ذلك، لا ينظرون فيه إلى عاقبة من تصدى بنى هاشم لهم، للأخذ بثأره منهم، ولعله كان قد ابتدأ التفكير عندهم فى تفرق دمه فى القبائل، بحيث يضربونه ضربة رجل واحد، فلا يكون لبنى هاشم قبل بالثأر فيقبلوا وتتم الراحة لهم فى زعمهم، إذ يستأصلون الدعوة من جذورها، إذ يقتلون صاحبها، ومحمد صلى الله عليه وسلم يستقبل ذلك التدبير اللئيم استقبال من يستعين بالله، ولا يستعين بغيره.
ولكن عمه العظيم يحمل العبء، ويتحمل الأذى، ويحاول وقاء محمد عليه الصلاة والسلام بكل الأسباب، حتى أنه ينيمه فى مضجعه متحملا ما وراء ذلك ويستعد لفدائه بنفسه، وهو لا يزال على دينهم. ولم يخرج إلى الدين الجديد، وإن كان يظهر أنه فى دخيلة نفسه كان يعتقد صحته وقد بدا ذلك فى بعض شعره.
(١) أخذ ملخص القصة من كتاب سيرة بن هشام، ج ١ ومن كتاب البداية والنهاية ج ٣ ص ٨٤، ٨٥ وما فيها.