للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن قريشا هي القوي، وهي البعيدة النفوذ فى البلاد العربية قاصيها ودانيها، وهي في البيت الحرام الذي جعله الله تعالي مثابة للناس وأمنا، وهو أول بيت للعبادة وضع للناس وهم الذين يتولون فتنة المؤمنين الذين آمنوا، وهم الذين اضطهدوا محمدا صلى الله عليه وسلم وصحبه، وهم الذين هموا بقتل النبي صلي الله تعالى عليه وسلم فكان حقا عليه الهجرة وأن يحمي المؤمنين الذين لا يزالون في مكة المكرمة، فكان لا بد أن ينازلهم بالحق كما اعتدوا عليه بالباطل، وأن يمنعهم من الاسترسال في الشر:

وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ، وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ (البقرة) ودفع الشر بمجازاة أهله ليس شرا بل خير كله، وهو الخير القوي الغالب، وليس الخير المستسلم الذليل.

وإن الإسلام فضائله إيجابية، وليست سلبية، فضائله عاملة قوية وليست ضعيفة مستكينة فلا بد إذن من المغالبة.

فكانت المقابلة وكانت الدعوة وبيان الحقائق الإسلامية والشرائع التي تبني بها المدينة الفاضلة، وتقوم فيها الإنسانية الكاملة وتكون مثلا ساميا.

كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في هذه الفترة المجاهدة، يجاهد في ميدانين متكاملين غير متنافرين يحارب أعداء الحق، ليجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله تعالي هي العليا، ويبث السرايا داعية إلى الحق، وفي يدها السيف لقمع الشر، إن حال دون الحق حائل، ويرسم الخطط للجيوش الإسلامية الهادية غير الباغية.

وإن الغزوات الكبري كانت من المشركين، والنبي صلي الله تعالي عليه وسلم يدافع، ولا يهاجم، فالمدينة المنورة كانت مقصدهم، والوقائع كانت علي مقربة منها، فغزوة بدر كانت علي مقربة من المدينة المنورة، وقد جاءت قريش بقضها وقضيضها، نعم إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم هم بأن يصادر عيرهم، كما صادروا أموال المؤمنين، ولكنهم هم الذين جاؤا بالجيش ليحاربوا، وقد ردوا خاسرين.

ثم كانت غزوة أحد، وقد جاؤا بها للثأر، وأرادوا اقتلاع الإسلام من مأمنه، وأصاب المسلمين جراح، ولكنهم هم نكصوا علي أعقابهم لم ينالوا خيرا، وإن جرحوا.

ثم لما عجزت قريش أن تنال من محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وحدها جمعت الجموع، وحزبت الأحزاب من البلاد العربية، وذهبوا لإزالة المدينة المنورة والإسلام، ولكن هزموا بالريح والرعب فعادوا علي أعقابهم خاسرين مذعورين.

<<  <  ج: ص:  >  >>