قلوبهم تصغي، وأفئدتهم تتجه نحوه، فأسلم الكثيرون، وتهيأت للإسلام قلوب كثيرين، ولما اتجه عليه الصلاة والسلام إلى خيبر لاقتلاع اليهود من بلاد العرب، كان العرب جميعا مناصرين.
وعندما اتجه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إلي الرومان أحسوا بعزة العرب تغالب سلطان بني الأصفر، وقد كان أمرهم مرهوبا مخوفا، قد استكان بعضهم له رهبا لا رغبا، فلما رأوا محمدا صلي الله تعالى عليه وسلم الهاشمي القرشي العربي يغزو بنى الأصفر، أحسوا بعزة عربية لا بد أن يكونوا معها، وإذا كانوا مع الروم في بؤسهم فقد هداهم التفكير فى عزتهم إلي ألا يكونوا معهم في تبوك، وإن ذلك بلا ريب يفتح قلوبهم لأن يدركوا الإسلام، ويتدبروا في أمره وغايته، ورأوا أنه السبيل الوحيد لعزتهم، ورفع نير الرومان ونفوذهم.
ولقد ذكر كتاب السيرة أنه دخل فى الإسلام ما بين فتح مكة المكرمة وغزوة الحديبية ناس كثيرون بلغوا أضعاف ما دخلوا من وقت البعث المحمدي، إلي الحديبية، أي بلغ فى سنتين أضعاف أضعاف من دخل فيه في مدي تسع عشرة سنة.
ولما كان فتح مكة المكرمة، ودخلت قريش في الإسلام، دخل فيه الذين يترددون وقد لانت قلوبهم، لأنهم رأوا أهل مكة المكرمة، الذين كان لهم مكان المتبوع يدخلون فدخلوا.
ولذلك جاءت الوفود تتري في العام التاسع، بعد أن فتحت في رمضان من العام الثامن، ولقد جاءت تلك الوفود مسلمة معلنة إسلامها، تريد معرفة أحكام دينها وما يجب أن يقوم به المسلم، وما يجوز له وما لا يجوز.
وكان النبي صلي الله تعالي عليه وسلم يرسل البعوث لتعليمهم، ولتأديب الذين يحاولون إيذاء المؤمنين أو العبث بالمقومات الدينية، فكان أحيانا يرسل السرايا، وأحيانا يرسل فقهاء الصحابة، كما أرسل أبا موسي الأشعري ومعاذ بن جبل ولما أرسل خالد بن الوليد، وهو القائد المحارب كان مكلفا أن يدعو إلى الإسلام، لا أن يجرد سيف القتال، ثم أرسل علي بن أبي طالب عالم الصحابة، فتولي تعليمهم، وأخذهم بأحكام الإسلام، ثم ولاه القضاء، فانفتق ذهنه بدعوة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ونطق لسانه بالحكمة وفك عقدا من مشكلات القضاء وأقره النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.
وهكذا نري أن البلاد العربية- أهل الوبر وأهل المدر- قد دخلها الإسلام، وتقبله قلوب مؤمنة مذعنة، وعلم أمره بعض الناس، ولكن لم يدخل قلوبهم فأطاعوا وخضعوا، ولكن لم تؤمن قلوبهم، وإن علم الإسلام، كان الإسلام كالغيث يصيب أرضا نقية فيمدها بالزرع وتأتي بأطيب الثمرات، وكان