ثانيها: عظم محبة أبى طالب صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ أنه ينطق بها محبة للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
ثالثها: أن الرواية تدل على أنه يصدق دعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وذلك من ناحيتين:
أولاهما: أنه قال: «ما رأيتك سألتهم شططا» أى أنه سألهم معقولا، وهو: لا إله إلا الله.
والثانية: أنها تدل على أن أبا طالب نطق بكلمة الإيمان، كما قال العباس.
وقد رد الذين أنكروا إيمان أبى طالب:
أولا: بأن السند فيه تجهيل، لأنه قال عن بعض أهله، فلم يعرف من الراوي، وما حاله.
وثانيا: بأن الإمام أحمد روى هذا السياق، ولم يذكر كلمة العباس، وكذلك الترمذى والنسائى وابن جرير.
وروى البخارى فى سياق هذا الخبر أن عمرو بن هشام (أبا جهل) وعبد الله بن أمية، عندما سأل النبى صلى الله تعالى عليه وسلم عمه أن يقول لا إله إلا الله، قالا له: يا أبا طالب أترغب عن ملة: عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه، حتى قال اخر ما تكلم به: «على ملة عبد المطلب» .
وهكذا غيرها من روايات الصحاح تدل على أنه لم يقلها، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك» .
٢٨٢- وإن الذى ننتهى إليه أن هناك أمورا ثلاثة، تحققت منها اثنتان، والثالثة موضع نظر:
الأولى: أن أبا طالب حامى على الإسلام، بالدفاع عن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وبالدفاع عن المسلمين، وما قاله من المدح لدعوة النبى صلى الله عليه وسلم والثناء عليها، وما أظهره له ولأصحابه من المودة والمحبة والشفقة فى أشعاره، وما تضمنه كلامه من العيب والتنقيص لمن خالف وكذبه بتلك العبارات الفصيحة البليغة الهاشمية المطلبية التى لا تدانى ولا تسامى، ولا يمكن عربيا مقاربتها ولا معارضتها، وهو فى ذلك كله يعلم أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم صادق راشد «١» .
الثانية- ثبت أنه عندما حضرته الوفاة كان يزكى مطالب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وأنه ما عرف عنه بعد الدعوة المحمدية أن زكى الأوثان قط، ولا فضل تقديسهم عن دعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وأنه تحمل الأذى مع النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٣ ص ١٢٦.