للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«قال ابن إسحاق: ولما اشتكى أبو طالب، وبلغ قريشا ثقله قالت قريش بعضها لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما وقد فشا أمر محمد فى القبائل فانطلقوا بنا إلى أبى طالب، فليأخذ لنا على ابن أخيه، وليعظه، فإنا والله لا نأمن أن يبتزونا أمرنا. قال ابن إسحاق: وحدثنا العباس عن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله عن ابن عباس قال: لما مشوا إلى أبى طالب وكلموه، وهم أشراف قومه: عتبة بن ربيعة، وشيبة ابن ربيعة، وعمرو بن هشام (أبو جهل) وأمية بن خلف، وأبو سفيان بن حرب، فى رجال من أشرافهم فقالوا:

يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك، وقد علمت الذى بيننا وبين ابن أخيك فادعه، فخذ لنا، وخذ له منا، ليكف عنا، ولنكف عنه، وليدعنا وديننا، ولندعه ودينه.

فبعث إليه أبو طالب فجاءه، فقال: يا بن أخى، هؤلاء أشراف قومك قد اجتمعوا إليك، ليعطوك وليأخذوا. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: يا عم، كلمة واحدة تعطونها تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم. فقال عمرو بن هشام (أبو جهل) : نعم وأبيك وعشر كلمات. ثم قال: تقولون لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه. فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: يا محمد، تريد أن تجعل الالهة إلها واحدا. إن أمرك لعجب، ثم قال بعضهم لبعض، إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين ابائكم، حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا.

فقال أبو طالب: والله يابن أخى ما رأيتك سألتهم شططا، فطمع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيه، فجعل يقول له: «أى عم، فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة» فلما رأى حرص رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: يا ابن أخى، والله لولا مخافة السبة عليك، وعلى بنى أبيك من بعدى، وأن تظن قريش أنى قلتها جزعا من الموت لقلتها، لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما تقارب من أبى طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنه ...

قال العباس: يابن أخى، لقد قال أخى الكلمة التى أمرته أن يقولها.

فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: «لم أسمع» «١» .

هذا الخبر، يدل على ثلاثة أمور:

أولها: أن قريشا ترى فى بقاء أبى طالب ضمانا لأمنهم، واتصالهم بالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم للتأثير فيه بعمه شيخ مكة المكرمة.


(١) ج ٢ ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>