لقد كان رجل من شيوخ اليهود، وذوى الضغن والحسد اسمه شماس بن قيس، قد هاله أمر محمد صلى الله تعالى عليه وسلم، وما أكرمه الله سبحانه وتعالى به من نصر في بدر، وهاله أن الأوس والخزرج اجتمعوا، وكانوا يعيشون على الفرقة بينهم، فيوالون فريقا على فريق، ويتخذون ممن يوالونهم قوة يثبتون بها أقدامهم، فلما رأوا اجتماعهم بالإسلام، فقال شماس: هكذا اجتمع بنو قيلة بهذه البلاد والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم من قرار.
قدر ذلك الشيخ الخبيث ودبر، فوجد أن يثير الخلاف القديم جذعا، فأثار ما كان يوم بعاث، وهو الذى كان بين الأوس والخزرج، وانتصر فيه الأوس، وكانت بيعة العقبة الأولى، ثم الثانية.
أثار الأمر في هذا اليوم بين الأنصار رضى الله تبارك وتعالى عنهم، وفيهم ضعاف العقول يستطارون فتكلم هؤلاء وتنازعوا، وتفاخروا، واشتدت المجاوبة فتواثب رجلان من الحيين، واحد من الأوس والآخر من الخزرج، وقال أحدهما لصاحبه: إن شئتم رددناها الآن جذعة، فغضب الحاضرون من الفريقين، واتفقوا على مكان يكون فيه اللقاء، وقالوا: موعدكم الظاهرة.
بلغ ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فعلم أنها فتنة يهودية، وخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم، فقال:
«يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله تعالى للإسلام، وأكرمكم به، وقطع عنكم به أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم» .
أدرك أنصار الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق بعضهم بعضا- ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم سامعين مطيعين موفورين.
ورد الله سبحانه وتعالى كيد الكافرين من اليهود في نحورهم.
وأنزل الله سبحانه وتعالى في اليهود قول الله سبحانه وتعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً، وَأَنْتُمْ شُهَداءُ، وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (آل عمران- ٩٩) .
وأنزل الله سبحانه وتعالى في المسلمين الذين انساقوا وراء شر اليهود: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ