اجتمعت لهذا بطون بنى هاشم، وزهرة، وتيم بن مرة فى دار عبد الله بن جدعان، وكان جوادا، فصنع لهم طعاما، وكان ذلك فى ذى القعدة الشهر الحرام.
تعاقدوا وتحالفوا ليكونن على الظالم، حتى يؤدى إليه حقه، ما بل بحر صوفة، وما رسا ثبير وحراء مكانهما، وعلى الناس فى المعاش، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول «١» .
وقد نفذ ذلك الحلف فور انعقاده، فقد مشى المتعاهدون إلى العاص بن وائل فانتزعوا منه سلعة الزبيدى فدفعوها إليه، وقد قال الزبير بن عبد المطلب معتزا به:
إن الفضول تعاقدوا وتحالفوا ... ألا يقيم ببطن مكة ظالم
أمر عليه تعاقدوا وتوافقوا ... فالجار والمعتر فيهم سالم
ولقد سر النبى عليه الصلاة والسلام لشهوده ذلك الحلف، وأعلن أنه ينفذه فى الإسلام:«لقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا ولو دعى به فى الإسلام لأجبت تحالفوا على أن يردوا الفضول إلى أهلها» .
وروى أنه عليه الصلاة والسلام قال:«ولقد شهدت فى دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لى به حمر النعم، ولو دعى به فى الإسلام لأجبت» .
ولقد نفذ الحلف قبل بعثة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فيروى أن رجلا من خثعم قدم حاجا أو معتمرا ومعه ابنته من أوضأ الناس جمالا، فأخذها عنوة منه نبيه بن الحجاج وغيبها، فقال الخثعمى: من يعدينى على هذا الرجل؟ فقيل له: عليك بحلف الفضول، فوقف عند الكعبة المشرفة، ونادى: يا ال حلف الفضول، فإذا هم يفيضون إليه من كل جانب، وقد انتضوا أسيافهم يقولون جاءك الغوث، مالك، فقال إن نبيها ظلمنى فى بنتى، وانتزعها منى قسرا، فساروا معه، حتى وقفوا على باب داره، فخرج إليهم، وما زالوا به حتى عادت الفتاة إلى أبيها.
وإن ذلك الحلف كان لازما، لأن مكة كانت بلد العرب، وثمرات العرب تجيء إليها فلا بد أن يستقر فيها الأمن، ويكون بلد الاطمئنان والمحافظة على الحقوق، ولا يكون فيها اعتداء حتى يجيء الناس إليها.
(١) قيبل إنما سمى حلف الفضول، لأنه أشبه حلفا تحالفته جرهم على مثل هذا من نصر المظلوم على ظالمه، وكان الداعى إليه ثلاثة من أشرفهم اسم كل واحد منهم فضل، وهم الفضل بن فضالة، والفضل بن الحارث، والفضل بن وداعة، وذكره ابن قتيبة، وقيل: سمى حلف الفضول، لأن أصحابه دخلوا فى فضل من الأمر التزموا به، وقيل إن الفضول معناها الحقوق، وتحالفوا على ردها.