سبيل الله تعالى، والتى تغلف القلوب بغلاف من العداوة والبغضاء، فتمنع نور الحق من أن يدخل إليها، فينيرها.
فى الموسم الذى كان عقب بعاث والنبى عليه الصلاة والسلام يعرض الإسلام على القبائل بمنى، يذهب إلى منازلهم بها، فى هذا الموسم التقى برهط من الخزرج، قال ابن إسحاق فى سيرته:
«فقال لهم: من أنتم. قالوا: نفر من الخزرج، قال: أمن موالى يهود؟ قالوا لا، قال أفلا تجلسون أكلمكم؟ قالوا بلى، فجلسوا فدعاهم إلى الله تعالى، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم، القران الكريم، وكان مما صنع الله تعالى بهم فى الإسلام أن يهود كانت معهم فى بلادهم، وكانوا أهل كتاب وعلم، وكانوا هم أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا غزوهم ببلادهم فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا إن نبيا مبعوثا الان، قد أظل زمانه، نتبعه، فنقتلكم مثل قتل عاد وإرم، وكان عندهم علم بذلك كما قرر القران الكريم.
وإن النفر الذين جاؤا من قبل، وذاقوا بشاشة الإسلام، قد أوجدوا بينهم الفكرة الإسلامية، فلما كلم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك الرهط ودعاهم إلى الله، تذاكروا فيما بينهم كلام اليهود.
قال بعضهم لبعض: «يا قوم: تعلمون والله أنه النبى الذى توعدكم به يهود فلا يسبقنكم إليه» .
لذلك أجابوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فيما دعاهم إليه، وصدقوا به، وأرادوا أن يسود الإسلام بينهم، وأن يستبق الحق قومهم، وأن يكون الإسلام طريق الخير لهم، فقالوا للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم:
«إنا تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم، ولعل أن يجمعهم الله تعالى عليك، فلا رجل أعز منك» وهكذا أجابوا داعى الله، وقد ذكرت كتب السيرة أسماء هذا الرهط من الخزرج «١» .
واختلفت الروايات، أكانوا ستة أم كانوا ثمانية، وكلهم من الخزرج، ولكن من الروايات ما ذكر فيها أنه كان من الأوس أبو الهيثم.
ومهما يكن، فقد كان أولئك وفد الخير والحق والصدق، فما أن انصرفوا عائدين إلى يثرب، حتى أخذوا يذكرون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويدعون بدعوته، حتى عمت وفشت، وتذاكر بها أهل يثرب، ومنهم من استجابوا لدعوة الحق، لمجرد ذكرها، ولم يطلبوا برهانا، لأنها دعوة إلى التوحيد، وهى فى ذاتها صادقة، وكانوا يعلمون بها، إذ يؤمنون بأن الله تعالى خالق السموات والأرض
(١) هذا السياق التاريخى فى السيرة لابن هشام، والبداية والنهاية لابن كثير، والسهيلى وابن نعيم وصحاح السنة.