للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحسان بن ثابت قد ولد قبل النبى عليه الصلاة والسلام بسبع سنين فإنه كانت سنه عند هجرة النبى عليه الصلاة والسلام إلى يثرب ستين سنة، والنبى صلّى الله عليه وسلّم كانت سنه ثلاثا وخمسين.

وهكذا تواردت أخبار من جهات مختلفة عن اليهود بأنهم أدركوا مطلع ولادة النبى عليه الصلاة والسلام، ونحن نؤمن بأن اليهود كان عندهم من علم التوراة ما يجعلهم يعلمون أن النبى الأمى سيبعث من العرب، وكانوا يستفتحون به على المشركين الذين كانوا يجاورونهم فى المدينة، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكافِرِينَ «١» .

(د) ذكر مخزوم بن هانيء المخزومى أن إيوان كسرى ارتجس ليلة مولد النبى صلّى الله عليه وسلّم، وسقطت منه أربع عشرة غرفة، وخمدت نيران فارس التى يعبدها المجوس، ولم تخمد قبل ذلك بألف سنة.

ورأى أحد رجال كسرى فى منامه أن إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة والفرات فى بلاده، فلما قص الرؤيا على كسرى أفزعه، فتصبر وإن لم يصبر، فجمع كبار دولته وقال لهم: أتدرون فيم بعثت إليكم؟ قالوا: لا إلا أن يخبرنا الملك، فبينما هم كذلك إذ ورد إليهم كتاب بخمود النار، ثم أخبرهم بما رأى أحد رجاله وبما هاله وقد تأولوا هذه الرؤيا، وخمود النيران بأن حدثا يكون من بلاد العرب.

٨٣- ونقف وقفة قصيرة، أمام هذه الروايات التى تواردت من مزايلة الأصنام عن أماكنها وتمايل وجوهها، وإضاءة الضوء ساعة مولده، وارتكاس إيوان كسرى، وخمود نار فارس التى لم تخمد منذ ألف سنة، فنقرر أن العبرة فيها بصدق الرواية لا بكون هذه الأخبار مقبولة فى العقل فإن حكم مؤرخ بعدم صدق الرواية رددناها.

ونقول فى الرواية أن المحققين فى علم الرواية لم يجدوا مساغا لتكذيبها فإن الحافظ بن كثير يروى فى هذا روايات كثيرة يعلن شكه فى صدق بعضها، ويسكت عن سائرها، وقد نقلنا ما لم يشك فيه، فحق علينا أن نقبل منها ما قبل، ونرد منها ما ذكر أن فيه ريبا، وخبر الصادق يقبل، مادام لم يعرف عليه كذب، والأحكام تبنى على أخبار الصادقين، ولو كان فيها احتمال الكذب لأنه احتمال غير مبنى على دليل، ومجرد الاحتمال لا يمكن أن يكون سببا لرد أقوال الصادقين، وإلا ما حكم قضاء، ولا أدين متهم، ولا ثبت حق، ولا دفع باطل، ولذلك لا يسعنا الا أن نقبل ما لم يجر فيه طعن.

وأما من ناحية قبول العقل، فإنا قد بينّا أن خوارق العادات تجىء بتقدير الله تعالى الذى لا يتقيد بالعادات ولا بما يجرى بين الناس من أسباب ومسببات، فإنه خالق الأسباب والمسببات، فقد يكون الرجز والمحق والخسف والزلزال لفساد قام به بعض الخلق، وذكرنا الايات الدالة على أن الله تعالى يلقى


(١) سورة البقرة: ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>