للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولرغبة العرب البيانية قد اتخذ الشعراء من هذه الأسواق سوقا لترويج شعرهم، فكانت الأسواق فيها الزاد المادى، وفيها الزاد البيانى.

وقد قال الله تعالى فى روح قريش التجارية لِإِيلافِ قُرَيْشٍ إِيلافِهِمْ. رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ. الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ «١» .

(و) ويجب أن يذكر فى هذا المقام أن الوثنية سادت العرب، فنسوا دين إبراهيم، ودين هود وصالح وغيرهم وسرت فيهم الوثنية سريان النجاسات فى الماء الطاهر القراح، ولعل قريشا فى مكة اخر من دخل فى الوثنية، كما تحدث أخبار العرب، فالوثنية سرت إليهم من غيرهم، ولم تنبعث من أرضهم، ولكنها موجة من الموجات التى كثرت فى ذلك العصر، وما سبقه، حتى لقد حسب بعض الناس أنها موجة من التفكير الدينى سرت فى العرب، ووفدت إليهم من حولهم، وجاءت إليهم من أرض غير أرضهم.

وقد أشرنا من قبل إلى أن العرب وخاصة قريشا لم يكن إيمانهم بالأوثان إيمانا متغلغلا فى النفس، إذ أنه كان مع الاعتقاد فى الأوثان اعتقاد بأن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، وبقية من تعاليم إبراهيم عليه السلام، فمناسك الحج كانوا يقومون بها على اختلاف أو انحراف، وألفاظه الموروثة كانت تردد على تحريف يقرب من وثنيتهم.

وكون بقايا من ديانة إبراهيم فيهم كان يجعلها موضع الرسالة، وإذا كانت الوثنية قد قاومت التوحيد الذى جاء به محمد صلّى الله عليه وسلّم فما كانت كلها من أجل الاعتقاد، بل من تسلط العصبية الجاهلية، والمنافسة فى الشرف بين بطون قريش وأفخاذها، كما سنبين إن شاء الله تعالى عندما نتحدث فى مقاومة الشرك للواحدانية، وذلك بمقاومة زعماء مكة للنبى صلّى الله عليه وسلّم.

كانت مكة جماع العرب، فكانت بها دار الندوة التى تجمع أقيال العرب وكبراء القبائل، من شتى الجزيرة، من اليمن جنوبا إلى الغساسنة بالشمال، فإذا أهم العرب أمر واحتاجوا إلى أمر جامع لا يجدون مثابة تجمعهم إلا دار الندوة فى أرض مكة المكرمة، وكانت الرياسة فيها لقريش، وأقربهم كان من جدود النبى صلّى الله عليه وسلّم، وكان عليه الصلاة والسلام يحضر ندوة قريش فى صدر حياته، وكان مع هدوء طبعه، واطمئنان نفسه يلفت الأنظار، وتتطلع إليه الأبصار.

يروى أنه كما جاء فى كتاب «زهر الاداب» حضر الندوة قيل من أقيال اليمن، فرأى الرسول، كلما عرض ما يراه خيرا اطمأن إلى القول اطمئنان المؤمن، وإذا كان ما يرى فيه غير الخير أحد البصر، فى


(١) سور قريش: ١- ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>