الطريق، وإذا كان قد أراد الخائنون إخوانهم أن يرموا عليه حجرا ثقيلا وهو جالس بجوار جدار لهم، فقد أراد الخائنون من المنافقين أن يطرحوه من فوق عقبة فى الطريق، ولكن الله تعالى أعلمه بما بيتوا فى الثانية كما أعلمه فى الأولى.
لما بلغوا العقبة التى كان تدبيرهم الخبيث ومكرهم السيئ عندها، فلما بلغها صلى الله تعالى عليه وسلم أمر الجند أن يسيروا فى بطن الوادى، وقال: من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادى، فإنه أوسع لكم.
وأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم العقبة، وأخذ المسلمون وكل الجيش بطن الوادى إلا الذين ائتمروا، وبيتوا الشر، فقد أخذوا العقبة التى أخذها النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لينفذوا ما مكروا به، ومكروا مكرا، ومكر الله تعالى مكرا، والله خير الماكرين.
لقد علم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم مكرهم الخبيث.
إن أولئك المنافقين لما علموا ذلك، وما اتخذه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم لنفسه من طريق استعدوا وتلثموا، فأخفوا وجوههم لكيلا يعرفوا، فعرفوا بذلك التلثم الذى أرادوا أن يستتروا به، فكشفهم المسلمون به.
لقد هموا بأمر عظيم، وهو أن يطرحوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من فوق العقبة. فأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يلازمه عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأن يمشيا أمامه، على أن يأخذ عمار بن ياسر بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها.
وبينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى سيره هو ومن معه، أن سمعوا وكز أولئك الذين تامروا لركائبهم، وتدفعها عليهم، وقد أدرك النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ماذا يريدون حسا، بعد أن علم بنياتهم من الله، وقد ساروا وراءهم من غير أن يعلموا، وظنوا أنهم مدركون ما يريدون.
وأمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم حذيفة، وهو الذى يسوق الدابة أن يردهم، وأبصر حذيفة غضب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وبدا ما يتوقعه عليه الصلاة والسلام من شرهم فى وجهه، فرجع حذيفة، ومعه المجن.
رآهم حذيفة ملثمين، واستقبل وجوه رواحلهم فضربها فى وجوهها بالمجن ضربا، وأبصر القوم وهم ملثمون، وظن أن ذلك فعل المسافر، يتقى باللثام حر الشمس، أو حرور الهواء، ولكن المتامرين فزعوا واضطربوا بإفزاع الله تعالى لهم، شأن من يريد جريمة ويشرع فيها إذ أنه يضطرب عندما يظن أن أمره قد كشف، فيفزع من تتميمها ويتراجع.