فسلم الله تعالى أولياءه، وخرج المسلمون وصحبه إلى بدر. وأخذوا معهم بضائع، وقالوا: إن وجدنا أبا سفيان، وإلا اشترينا من بضائع موسم بدر. خرج المسلمون كما ترى يتمنون أن يكسروا أنف الشرك.
خرج النبى صلى الله تعالى عليه وسلم إلى بدر ومعه نحو خمسمائة وألف، وقد خرج على نية لقاء العدو حتى نزل وانتظر ثمانى ليال، عساه يلقى قريشا بقيادة أبى سفيان كما وعد أو توعد، ولكنه لم يجيء في الميقات.
وأبو سفيان كان قد أراد الخروج على تردد، فخرج في أهل مكة، حتى نزل مجنة من ناحية الظهران، ولكنه مع خروجه ووصوله إلى ذلك المكان كان التردد لا يزال يسيطر عليه، خشية العاقبة، ولذا بدا له أن يعود من حيث نزح، وقال في سبب نكوصه لقومه:
«يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر، وتشربون اللبن، فإن عامكم هذا عام جدب وإنى راجع فارجعوا» ... فكان أهل مكة المكرمة يسمون الجيش الذى خرج بقيادة أبى سفيان ثم عاد جيش السويق يقولون إنما خرجتم تشربون السويق.
ولعل هذه النظرة وذلك القول فيه لوم وتهكم، لأنهم خرجوا للقتال وعادوا من غير لقاء أو قرب منه. وإن هذا يدل على أن أبا سفيان تخاذل عن اللقاء، والسبب الذى استحله للعودة وهو الجدب كان قائما وقت الخروج فكان أولى أن يمنع الخروج، لا أن يوجبه. ولكنه فكر وقدر الهزيمة، وقد ذاق مرارتها في بدر، فاثر العافية، ورضى من الغنيمة بالإياب.
وأتى إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وهو بماء بدر بعض بنى ضمرة الذين كان قد وادهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم في غزوة ودان التى غزاها، وقال للرسول صلى الله تعالى عليه وسلم:
يا محمد أجئت للقاء قريش، وقد يوهم سؤاله أنه مال مع المائلين لقريش بعد أحد، وإشاعة قريش أن محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم هزم، وما كانت هزيمة.
قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:«نعم أخا بنى ضمرة وإن شئت رددنا- أى ما كان بيننا وبينك من موادعة- وجالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك» .
قال: لا، والله يا محمد ما لنا بذلك من حاجة.
رجع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى المدينة، ولم يلق حربا، وكان النكوص من جانبهم وإن ذلك بلا ريب يزيل ما كانوا يرجونه من إشاعة الهزيمة ليوهنوا شأن النبى والمؤمنين في بلاد العرب، ويعلو شأنهم فيتهيبهم الناس دونه.