إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى، فأخذه الله تعالى نكال الآخرة والأولى، فانتقم الله تعالى به، ثم انتقم منه، فاعتبر بغيرك، ولا يعتبر غيرك بك.
قال المقوقس: إن لنا دينا لن ندعه إلا لما هو خير منه.
قال حاطب: ندعوك إلى الإسلام الكافى به الله عما سواه، إن هذا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم دعا الناس فكان أشدهم قريش وأعداهم له اليهود، وأقربهم منه النصارى، ولعمرى ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد عليه الصلاة والسلام، وما دعاؤنا إياك إلى القرآن الكريم إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل، وكل نبى أدرك قوما فهم أمته، فالحق عليهم أن يطيعوه، وأنت ممن أدركه هذا النبى صلى الله تعالى عليه وسلم.
قال المقوقس: إنى قد نظرت فى أمر هذا النبى فوجدته لا يأمر بمزهود فيه، ولا ينهى عن مرغوب فيه، ولم أجده بالساحر الضال، ولا الكاهن الكاذب، ووجدت معه آيات النبوة بإخراج الجن، والإخبار بالنجوى، وسأنظر.
وأخذ كتاب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، فجعله فى حق من عاج، وختم عليه، ودفعه إلى جارية. ومن بعد ذلك دعا كاتبا له يحسن العربية، فكتب إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم ... لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط.
سلام عليك، أما بعد فقد قرأت كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه، وما تدعو إليه، وقد علمت أن نبيا بقى، وكنت أظن أنه يخرج من الشام، وقد أكرمت رسولك، وبعثت إليك بجاريتين، لهما مكان فى القبط عظيم، وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها، والسلام عليك» .
هذا ما كتبه المقوقس، وهو يدل على أنه كصاحبه هرقل قد اقتنع بالقرآن الكريم والإسلام، ولكن تردد فى القبول، وتلطف فى الرد، وبنى تردده على أنه كان يظن أنه سيخرج من الشام.
وكانت إحدى الجاريتين مارية القبطية التى كان إبراهيم بن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم منها، وأشهر الروايات أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أعتقها وتزوجها.