للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال الإمام أحمد في مسنده بروايته: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: ما تقولون في هؤلاء الأسرى، فقال أبو بكر: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم، واستأنهم، لعل الله أن يتوب عليهم.

وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قربهم فاضرب أعناقهم؟

وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله انظر واديا كثير الحطب، فأدخلهم ثم أضرمه عليهم نارا.

استمع إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد ابتدأ الرأى رفيقا ثم اشتد حتى صار حريقا، فدخل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وتركهم مليا، ليتدبروا مغبة كل قول، ثم خرج عليهم.

فقال عليه الصلاة والسلام: «إن الله ليلين قلوب رجال، حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله سبحانه وتعالى ليشد قلوب رجال، حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم، قال:

فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (إبراهيم- ٣٦) . ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى، قال: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ، فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ، وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ، فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

وإن مثلك يا عمر كمثل نوح، قال: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (نوح: ٢٦) . وإن مثلك يا عمر، كمثل موسي، قال: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ، وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (يونس- ٨٨) .

انتهت الاستشارة بأن أبدى رأيان، أحدهما رفيق مؤلف، لا جفوة فيه وهو رأى الصديق رضى الله تعالى عنه، والثانى رأى عنيف، وهو رأى الفاروق عمر بن الخطاب، رضى الله تبارك وتعالى عنه، ويتبع ذلك فى عنفه بأشد في طريقته، وهو رأى عبد الله بن رواحة، إذ كان رأيه القتل بالحرق.

وقد رأى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يأخذ بمبدأ الفداء، إذ فيه رفق أبى بكر، ونفع لجماعة المسلمين، وقد كانوا في غير غنى، ورخص في غير ذلك، فرخص لنفسه في القتل، ورخص لنفسه في المن من غير فداء، وإن كان الأكثر كان الفداء، وكان يسير في الفداء على مقدار الثروة للأسير، وفي العفو بالمن على مبدأ من كان يظن أنه أسلم، وخرج تقية، ويمن أيضا على من يرى في المن عليه كسبا للمسلمين.

وأنه يلاحظ أنه لم يمن على أحد من بنى هاشم مع أنه نهى عن قتلهم، وأنه يعلم أنهم خرجوا مستكرهين ولم يخرجوا محاربين.

وكيفما كانت حالهم من منّ أو فداء فقد أوصى بهم خيرا، وقد نزلوا عند الأنصار، وكأنهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>