وأن معنى الحديث أن يباع الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل، فإن تعذرت المماثلة بين التبر والذهب العين، فإنه لا يصح البيع، بل يجب أن يتخالف الجنس فيباع تبر الذهب بالفضة، وتبر الفضة بالذهب لأن المماثلة فى هذه الحال غير واجبة.
ولقد جاء بعد ذلك الحديث السابق وهو أعم من الذهب والفضة وجاء بعد ذلك فى أحاديث أخرى التمر بالتمر مثلا بمثل يدا بيد أى اشتراط القبض فى الحال ثابت، ولا يصح التأجيل وأن الردئ لا يضاعف فى سبيل الجيد من هذه الأصناف، وقد ثبت فى غزوة خيبر، فقد جاء فى تاريخ الحافظ ابن كثير أن البخارى روى عن أبى سعيد الخدرى وأبى هريرة أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم استعمل رجلا على خيبر، فجاء بتمر جنيب، فقال عليه الصلاة والسلام: أكل تمر خيبر هكذا؟
فقال: لا والله يا رسول الله إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تفعل هذا بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا.
وإن هذا الحديث الصحيح يدل على أمور ثلاثة:
أولها: أن تطبيق ربا البيوع كان فى خيبر، ولعله كان ابتداء تحريمها.
وثانيها: أن الجنيب بلح جيد، وأن غيره دونه، ولذلك كانوا يلاحظون هذه التفرقة عند المبايعة، فالجنيب يبادل بضعفه، أو الاثنين بثلاثة، وإن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم نهى عن البيع بغير المماثلة فى التمر والبر والشعير والذهب والفضة، والملح، والزيت فى بعض الروايات، وغيرها من المطعومات.
ثالثها: الطريق فى التعامل بهذه الأشياء التى لا يصح البيع فيها إلا بالتماثل فى الكيل أو الوزن عند اختلافها فى الجودة، قد بينه النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يبيع الرديء، ويشترى بثمنه جيدا وهذا الحديث الذى جاء فى خيبر روى فى معناه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وقال:
عندى بسر وأريد رطبا، فقال له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: بع البسر، واشتر رطبا.
وهذه الفتوى النبوية فيها فائدة لمن عنده بسر، وفائدة لغيره، ففائدة صاحب البسر أنه استبدل به رطبا، وهو ما يشبهه، وفائدة المشترى أنه أخذ البسر، وربما يبتغيه، وهناك فائدة لثالث، وهو أن يأكل من ليس عنده بسر، ولا رطب، فلا يحرم من البلح حرمانا كاملا.
وقبل أن نترك هذا الخبر الذى جاء تطبيقه فى غزوة خيبر لا بد من التعرض بالإجمال لموضوعين:
أحدهما حكمة التحريم، والثانى العلة القياسية التى يمكن أن يطبق فيها النص على غير هذه الأنواع من المبيعات.