للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقت حر شديد، والنبى صلى الله عليه وسلم ما كان يبين للناس اتجاهه إذا خرج لحرب إلا فى تبوك لبعد الشقة، ولعظم المهمة، وليستعد الناس لنوع من الجهاد شاق مرير، فى وقت شديد غليظ إذ كان الحر شديدا، وكانوا يجمعون ثمار حرثهم، وغلالهم، وفى بعض البلاد جدب. وقد طابت ثمار الأرض التى أنتجت، والإرادة المادية عندهم ربما تغالب النية المحتسبة عند بعضهم، ولقد أخذ صلى الله تعالى عليه وسلم يختبر النفوس، والغزوة كلها اختبار للمؤمنين، وأن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم ما اختار الزمان، إنما اختارته له العناية الإلهية، وإرادة الروم، وقد خاطب النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعض الرجال ليعرف ما فى بعض النفوس، قال للجد بن قيس: يا جد، هل لك فى جلاد بنى الأصفر (يريد الروم) .

فأجاب إجابة المتردد، غير المعتزم: «أو تأذن لى ولا تفتنى، فو الله لقد عرف أنه ما من رجل أشد عجبا بالنساء منى، وإنى أخشى إن رأيت نساء بنى الأصفر لا أصبر» .

اعتذار بغلبة هوى النفس عنده على الجهاد، وأنه لا يستطيع جهاد نفسه عن الإثم فهو، يخشى الفتنة وأى فتنة أشد على الرجال من أن يكون عبد هواه، وقد أذن له النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، لأنه لا جدوى فى رجل لا إرادة له، وإنما هى حرب ضروس تحتاج إلى صبر وجهاد نفسى، فالوصول إلى العدو ليس سهلا، والحر شديد، واللقاء مع عدو كبير.

وإن هذه الغزوة كان فيها الناس على أنواع شتى فى نفوسهم.

١- فمنهم من قعدت بهم همتهم، فخلفوا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، واعتذروا بالمعاذير، وهؤلاء يقولون مع المنافقين: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ، قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا، وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ

(التوبة: ٨١، ٨٢)

وهؤلاء منهم ضعفاء الإيمان ومنهم ضعفاء العزيمة وليست لديهم قوة نفسية يتحملون بها الشدائد، ولذلك كان فيهم جزع، وخوف من الإقدام.

٢- ومنهم المنافقون الذين يثبطون، ويريدون الفتنة ويبتغون تثبيط المؤمنين عن المجاهدين، ويقول سبحانه وتعالى فيهم: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ، وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ، وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ.

إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ. وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>