الصنف الثالث أهل الإيمان. وكلهم مجاهد بنفسه وماله، لا يدخرون جهدا ولا مالا، وهم الذين قال الله تعالى فيهم وقرنهم فى الذكر برسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ (التوبة: ١١٧) .
هؤلاء هم الذين حملوا الدور الأول حتى صارت الكلمة العليا لله ولرسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فى بلاد العرب، فهم أيضا الذين حملوا عبء الجهاد، عندما أخذ الإسلام ينتشر فى غير البلاد العربية، وخرج الجهاد إلى بنى الأصفر (الرومان) الذين كان اسمهم يرهب العرب.
٦٤١- كان على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يحتاط من المنافقين وكان على النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن يحرض المؤمنين الذين كانوا معه ويجمع شملهم، وأن يكون بعضهم عونا لبعض فى هذه العسرة الشديدة.
أما بالنسبة للمنافقين فإنهم كانوا دائبى الحركة ليثبطوا المؤمنين، وهم يقولون لا تنفروا فى الحر، ليمنعوهم نفسيا من الجهاد، بل وصلت بهم الحال إلى أن يجتمعوا ببعض اليهود يأتمرون معهم.
حدث ابن هشام بسنده أن ناسا من المنافقين كانوا يجتمعون فى بيت سويلم اليهودى، وكان بيته فى موضع اسمه جاسوم، يثبطون الناس عن الجهاد، وعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى غزوة تبوك، فبعث إليهم النبى صلى الله تعالى عليه وسلم طلحة بن عبيد الله فى نفر من أصحابه وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم هذا، ففعل طلحة، فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت، فانكسرت ساقه وأفلت أصحاب البيت.
كانت عين رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم المجاهد تترصد أولئك المثبطين الذين بلغت حالهم، حد التامر، فرد الله كيدهم فى نحورهم.
والنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يأخذ حذره ممن يثبطون العزائم وهذه المعركة معركة عزائم، وقوة نفوس، وجلد وصبر وقوة احتمال.