كان النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فى ذلك الوقت العصيب يثير عزائم أصحابه، ولا يكتفى بأن يحثهم على الخروج، بل يحثهم على أن يعين بعضهم بعضا، وأن ينفقوا فى الحرب ولا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، وأنه يحتاج إلى الزاد والراحلة والشقة بعيدة، ولم يكن له اختيار فى الأمان كما ذكرنا بل إنه إذ علم أن الروم يتجمعون لاقتلاع هذا الدين من الأرض العربية، وليستذلوا العرب ويقضوا على منبع العزة فيهم، فما كان له أن ينتظر، بل لا بد أن يبادرهم، ولا ينتظرهم، لقد أراد أن يخرج لهم بأكبر غزوة يغزوها، أن يخرج بثلاثين ألفا، فلا بد أن يكون فى يده ما يغزوهم به، وما يحملهم عليه، ولا يكون معه إلا القوى الأمين.
ذكر ابن إسحاق بسنده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جد فى سفره، وأمر الناس بالجهاد والانكماش (الإسراع) وحض أهل الغنى على النفقة، والحملان فى سبيل الله تعالى فحمل رجال من أهل الغنى، وكان لعثمان ذى النورين الحظ الأكبر من الإنفاق، حتى كاد يحمل الجيش كله.
روى الإمام أحمد أن عثمان ابتدأ بألف دينار فصبها فى حجر النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وقال عبد الله بن أحمد فى مسند أبيه بسنده قام النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فحث على الإنفاق على جيش العسرة، فقال عثمان بن عفان عليّ مائة بعير بأحلاسها وأقتابها، ثم نزل مرقاة من المنبر، ثم حث، فقال عثمان على مائة أخرى بأحلاسها وأقتابها، فقال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم:«ما ضر عثمان عمل بعد هذا» ولقد قال النبى صلى الله تعالى عليه وسلم: «من جهز جيش العسرة غفر الله تعالى له» .
هؤلاء المؤمنون كان منهم من حمل نفسه وحمل معه زاده كعبد الرحمن بن عوف ومنهم من تبرع بزاد وحملان لغيره كأبى بكر وعمر، وغيرهما من ذوى اليسار من المهاجرين والأنصار.
ولكن كان من بين المؤمنين الصادقين البكاؤون، وأولئك أرادوا الجهاد وألا يتخلفوا عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فى نفير كهذا النفير، الفاصل بين نشر الإيمان فى الأرض وبين أن يقضى عليه فى مهده أهل القوة فيها.
كان هؤلاء النفر السبعة الذين سموا البكائين، وقد ذهبوا إلى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم فاستحملوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأن طلبوا منه ما يحملهم عليه، فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم «لا أجد ما أحملكم عليه» .