للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعمر وعمه حمزة، إذن لارعوى مثل أبى جهل فى نذلته، ولكنه لم يفعل، وتحمل الأذى فى سبيل الدعوة ولم يرهب ولم يفرغ، بل رضى بالبلاء ينزل به وبأصحابه الضعفاء.

وإن ذلك هو عمل النبوة، إنه عليه الصلاة والسلام ما جاء مسيطرا، ولكن جاء مبلغا، وما جاء متحكما، ولكن جاء داعيا مقنعا، فلو استخدم هيبته وأظهر الرهبة لتبعه الناس خائفين غير مقتنعين بذات الحجة، ولبدا النفاق فى الذين يجيبون دعوته، وليس الدين بقائم على المنافقين غير المؤمنين.

إن الرسول الأمين يريد مؤمنين يدخلون فى الإسلام رغبا لا رهبا، ولا يكون عن خوف أيا كانت صورة الخوف. إن الإسلام الذى جاء به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم جاء ليحمله الذين شاهدوا وعاينوا إلى الأخلاف من بعده، لأنه دين الخليقة كلها لا دين جيل من أجيالها، فلابد أن يحمله مؤمنون لا مجرد تابعين. ولا يكون ذلك إلا إذا كان الإيمان القوى الذى يصبر صاحبه ويصابر فى حضرة النبى عليه الصلاة والسلام، وينزل به البلاء فى حضرته فيحس عليه الصلاة والسلام بقوة احتمالهم، ليطمئن من بعده بقوة التبليغ بالرسالة فى مشارق الأرض ومغاربها.

إن الذين يدخلون فى الإسلام بهيبة النبى عليه الصلاة والسلام سرعان ما يتركونه إذا غاب عنهم، واعتبر ذلك بحال المؤمنين فى المدينة فإنه لم يكن فيهم نفاق، حتى صار لأهل الايمان قوة يسيطرون بها، فكان النفاق، والذين دخلوا فى الإسلام تابعين غير مؤمنين إيمان الصابرين المصابرين.

وكان من المسلمين بالاتباع بالإيمان المجاهد الصابر، وكان منهم الأعراب الذين ساروا مع القوى، وقال فيهم الله تعالي: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً، وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ «١» وهم الذين ارتدوا بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم، إن الله تعالى أمر رسوله بالدعوة بالحكمة، فقال تعالي: ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ «٢» وإن ذلك يقتضى أن يكون موطأ الكنف وديعا فى دعوته متطامنا لمن يخاطبهم، ليس فظا ولا غليظ القلب، ولا مرهبا ولا مفزعا.

وإن تطامن النبى عليه الصلاة والسلام كما جرأ عليه الأقوياء الذين يؤذون الحق إذا بدا وضحه المبين، قد قرب إليه الضعفاء وبهم كانت الدعوة الأولى وقوة الحق من غير سيطرة ولا تحكم.

وإن تطامن النبى عليه الصلاة والسلام والاعتداء عليه قرب بعض الأقوياء ولم يبعدهم. ألم تر أن كثيرين كانوا يسلمون لأنهم يرون أن محمدا عليه الصلاة والسلام بماضيه الكريم، وحاضره العظيم


(١) سورة التوبة: ٩٧.
(٢) سورة النحل: ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>