للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبينما كان أبو لهب محبا للمال مؤثرا له على كل شيء من أسباب الحياة الكريمة كان أبو طالب يكتفى من المال بالقليل من غير أن يبذل مروءته فى سبيل طلبه، فالمروءة عنده أولى بالطلب من الاستكثار من المال، ولذلك كان محدودا، ولم يكن مجدودا، ولكل هذا قبل أبو طالب أن يكون لمحمد عليه الصلاة والسلام نصيرا، لأن الشفقة والمروءة، والمناصرة العربية الكريمة تقاضته، فاستجاب لسجيته له، وما وهن ولا استكان، ولا ولى، بل استمر مناصرا فى كل الشدائد، حتى قبضه الله تعالى.

وليست الغرابة فى نصرته للنبى عليه الصلاة والسلام، إنما الغرابة فى أنه لم يدخل فيما يدعو إليه!! ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ «١» وقد ذكرنا من قبل أن ذلك دفع لوهم يقوله بعض الواهمين، إن دعوة محمد عليه الصلاة والسلام كانت عصبية جاهلية.

ولقد ذكر ابن كثير أنه لو أسلم كما كان يظهر من لحن قوله أنه يميل إلى الإسلام، إذ يقول:

لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتنى سمحا بذاك مبينا

لو أسلم لكان المشركون له أعداء كما عادوا محمدا عليه الصلاة والسلام، وقد كان عندهم من قبل ذلك الأمين المحبوب الذى يسمع قوله ويطمأن إلى حكمه، ولكن أراد الله تعالى أن يبقى على دين قومه، لكى يكون ردا للنبى وعضدا فى وسط المدلهمات، وقال ابن كثير فى ذلك: «وكان رسول الله أحب خلق الله تعالى إاليه (أى إلى أبى طالب) ، وكان يحنو عليه، ويحسن إليه، ويدافع عنه، ويحامى، ويخالف قومه فى ذلك مع أنه على دينهم، وعلى خلتهم، إلا أن الله تعالى قد امتحن قلبه بحبه حبا طبيعيا لا شرعيا، وكان استمراره على دين قومه من حكمة الله تعالى، ومما صنعه لرسوله من الحماية، إذ لو أسلم أبو طالب، لما كان له عند مشركى قريش وجاهة، ولا كلمة، ولا كانوا يهابونه ويحترمونه، ولا جترؤا عليه، ولمدوا أيديهم وألسنتهم بالسوء إليه، وربك يخلق ما يشاء ويختار، وقد قسم خلقه أنواعا وأجناسا «٢» .

٢٢٠- كانت دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ابتداء سرية يدعو من يعرف من أصدقائه وأوليائه الذين كانوا كنفسه، ثم يدعو كل من ذاق بشاشة الإسلام وخالطت نفسه من أصدقائه وأحبابه، فكانت تصغى إاليه الأفئدة طالبة الحق، بقوة المحبة للخل الوفى، وللحق البدى، من دعوة علنية، ولكن الأمر النورانى لا يخفى طويلا، فعلم وإن كان فى أضيق دائرة.

وكان لابد أن يتولى النبى عليه الصلاة والسلام الإعلان، والجهر، وكما بدأ بدعوة أهل بيت النبوة، الذين أشرق الوحى عليه، وهو بينهم، فقد أخذ بأمر الله تعالى يعلنه بين ذوى قرابته يؤمن من يؤمن، ويكفر من يكفر.


(١) سورة يس ٣٨.
(٢) البداية والنهاية ج ٣ ص ٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>