وبهذه الكراهة كانت تحرضه، وتوججه إذ تصورت أن نيران العداوة قد تطفئها القرابة، وعلو شأن محمد صلّى الله عليه وسلّم فى دعوته وجهاده، وذكر اسمه فى كل بلدان العرب، وتجاوز ذلك إلى البلدان المصاقبة، كالرومان والشام ومصر.
ولقد كانت تتردد أخت أبى سفيان فى أن تقرض الشعر ذما للنبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وتسميه مذمما ولا تسميه محمدا، فقد قالت فى ذلك:
مذمما قلينا ودينه أبينا وأمره عصينا
ولقد تلقى شعرها هذا بالاستضحاك، وعد ذلك ليس شتما له، لأنها لم تذكر اسمه فى شتمها، فقال عليه الصلاة والسلام:«انظروا كيف يصرف الله تعالى عنى شتمهم ولعنهم، ويشتمون مذمما، ويلعنون مذمما، وأنا محمد» ، وكان فيها مع ذلك صفة السفيهات من النساء، إنها كانت تمشى بالنميمة.
فتوقد نيران العداوة، وقد قال الله تبارك وتعالى فيها تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ. ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ. سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ. وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ «١» .
هذا هو أبو لهب، وهذا هو السر فى عداوته للحق، ولمحمد عليه الصلاة والسلام مع قرب رحمه، ومع أنه سرّ لولادته وقت أن ولد.
٢١٩- هذا أبو لهب، وذلك موقفه من دعوة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم التى كرهته فيه بعد ود، أو إن شئت فقل محبته له فى صباه حتى بدا ما يتخالف فيه الطبعان، طبع العم المادى، وطبع ابن أخيه الروحى الذى لا يحرص على المال.
أما أبو طالب، فلم يكن عدوا لدعوة محمد عليه الصلاة والسلام، وعباراته توميء بأنه لا يعاندها، وما عند أبى لهب من صفات تناقضها، صفات أبى طالب توافقها فى أصلها، فأبو طالب لم يكن أثرا يحب المال، بل كان فيما يبدو من خلق يجعله يميل إلى الإيثار بالمحبة، فاثر التعب على الراحة فى مناصرة النبى صلى الله تعالى عليه وسلم، وبينما أبو لهب يؤثر الدعة والاستقرار على أى صورة كانت، كان أبو طالب شيخ البطحاء لا يؤثر الدعة والاستقرار مع الضيم، بل يقاوم الضيم راضيا بملاقاة أسباب الإرغام بقلب صابر قوى.