للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَعَمْ، الورعُ يقتضى ألا يمدَّ العالمُ يدَه فيأخذ أجرةً على التَعليمِ أو التصنيفِ ونحو ذلك، ولكنْ ما البديلُ يا عبادَ اللهِ؟

هل البديلُ أن نتركَ العلماءَ وطلبةَ العلمِ للتكسبِ في زمنِ الغلاءِ فتنهشهم الدُّنيا؟!

هل البديلُ أن يعيشَ هؤلاءِ على صدقاتِ أهلِ الإحسانِ، والنَّاسُ اليومَ لا يعرفون أنَّ مِن أوجبِ الصدقاتِ النفقةَ على طلبةِ العلمِ الذين عليهم حراسةُ الدينِ؟!

إنني أعرفُ طلبةَ علمٍ نابغين، كان يُظَنُّ أنهم حملةُ الرايةِ عن قريبٍ، تخطفتهم الدُّنيا لضيقِ ذاتِ اليدِ، فإنَّ طالبَ العلمِ اليومَ يجدُ نفسَه محتاجًا لمالٍ كثيرٍ، ليرحلَ أو ليشتريَ كتبًا أو أشرطةً، وهو شابٌّ يحتاجُ للزواجِ في زمانِ الفتنِ هذا، فيحتاجُ لمالٍ آخرَ ليجدَ بيتًا وأثاثًا، وقد لا يجدُ من يُعينه على كلِّ ذلك، فلا يجدُ فرصةً سوى العملِ الدؤوبِ، فتقلُّ ساعاتُ المذاكرةِ حتى تراه بعدَ فترةٍ هجَر دروسَ العِلْمِ، ثمَ انكَبَّ على الدنيا، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله.

وكلنا يعرفُ ذلك الأمرَ، ثمَّ تجدُ مَن يلومُ هذا العالمَ أو ذاك الداعيةَ أَنْ أَخَذ مالًا على جُهدٍ بَذَلَه في تصنيفٍ أو تعليمٍ.

قال بشرُ بنُ عبدِ الواحدِ: رأيتُ أبا نُعَيْمٍ في المنامِ، فقلتُ: ما فَعَل اللهُ بك؟ -يعني فيما كان يأخذُ على الحديثِ- فقال: نَظَر القاضي في أمري فوجدني ذا عِيَالٍ فَعَفَا عَنِّي.

<<  <   >  >>