فعادةً لا يفقه النَّاسُ من الدقائقِ ما يوقعهُم في الخطإِ، كفقهِ المصالحِ والمفاسدِ مثلًا، وغالبًا ما تكونُ الفتن متعلقةً بالسياسةِ الشرعيةِ التي ليست كغيرِها من القضايا، بل تقومُ على الأخذِ بالمقاصدِ الشرعيةِ، والموازنةِ بين المفسدةِ والمصلحةِ وإقامةِ الدليلِ، وهذا متعذرٌ لطلبةِ العلمِ الصغارِ؛ إذْ هذا النوعُ من الفقهِ عزيزٌ، لاحتياجه لسعةِ علمٍ وخبرةٍ في دراسةِ الواقعِ وتطبيقِ النُّصوصِ الجزئيةِ.
وقصةُ نبيِّ الله موسى مع الخضرِ دليلٌ على هذه القاعدةِ المعتبرةِ، فقد كان يدفعُ الشَّر الكبير بارتكابِ الشر الصغيرِ، ويراعي أَخَفَّ الضررينِ وأكبرَ المصلحتينِ، وهذا من الفقهِ العزيزِ.
ولذلك يكثرُ الخطأُ في بابِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقاعدتُه مَبْنِيَّةٌ على أُسُسٍ، منها ألا يكونَ النهيُ عن منكرٍ مفضيًا لمنكرٍ أشدَّ منه، وعَزَّ في النَّاسِ مَن يراعي ذلك، ولذلك كان المردُّ الشرعيُّ في الفتنِ لأهلِ العلمِ خاصةً، بل إنَ الإنكارَ باللِّسانِ يكونُ لأهلِ العلمِ دونَ مَن سواهم مِمَّن لا يدري، فيلزمُ ردُّ هذه القضايا المُفضِيَةِ لإحداثِ فتنٍ في النَّاسِ لأهلِ الحَلِّ والعَقْدِ وهم العُلماءُ، فالزمْ هذا السَّبيلَ، فدونَه فتنٌ وبلايًا ومِحَنٌ، وكم مَرَّ المسلمون ببلاياتٍ لو صَدَروا عن قولِ أهلِ العلمِ لأَمِنوا تلك الغوائلَ.
القاعدةُ العاشرةُ: ليس أحدٌ إلا وتُكُلِّم فيه؛ فتثبَّتْ:
إنَّ رضا النَّاسِ غايةٌ لا تُدركُ، وليس إلى السلامةِ منهم سبيلٌ.