للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويؤصِّلُ ابنُ القيمِ -رحمه الله- هذه القاعدةَ الذهبيةَ بكلام نفيسٍ فخذْه هنيئًا مريئًا، يقول -رحمه الله تعالى-:

من قواعدِ الشرعِ والحكمةِ أيضًا أنَّ مَن كثُرَتْ حسناتُه وعَظُمَت، وكان له في الإسلامِ تأثيرٌ ظاهرٌ، فإنه يُحتملُ له ما لا يُحتملُ لغيرِه، ويُعفى عنه ما لا يُعفى عن غيرِه، فإنَّ المعصيةَ خَبَثٌ، والماءُ إذا بَلَغ قلتينِ لم يحمل الخَبَثَ، بخلافِ الماءِ القليلِ فإنه يحملُ أدنى خَبَثٍ، ...

ثم يقولُ: وهذا موسى كليمُ الرحمنِ -عزَّ وجل- ألقى الألواحَ التي فيها كلامُ اللهِ الذي كتبه له، ألقاها على الأرضِ حتى تكسرتْ، ولَطَم عينَ مَلَكِ الموتِ ففقأها، وعاتب ربَّه ليلةَ الإسراءِ في النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... وأَخَذ بلحيةِ هارونَ وجَرَّه إليه، وهو نبيُّ اللهِ، وكل هذا لم ينقصْ من قَدْرِه شيئًا عند ربِّه، وربُّه يكرمُه ويُحبُّه، فإنَّ الأمرَ الذي قام به موسى، والعدوَ الذي بَرَز له، والصبرَ الذي صبره، والأذى الذي أوذيه في اللهِ أمرٌ لا تؤثرُ فيه أمثالُ هذه الأمورِ، ولا تغيرُ في وجهِه، ولا تخفضُ منزلتَه، وهذا أمرٌ معلومٌ عندَ النَّاسِ مستقرٌّ في فطرِهم، أنَّ مَنْ له ألوفٌ من الحسناتِ فإنَّه يُسامح بالسيئةِ والسيئتينِ ونحوِها، حتى إنه ليختلجُ داعي عقوبتِه على إساءتِه، وداعي شكرِه على إحسانِه، فيغلبُ داعي الشكرِ لداعي العقوبةِ.

كما قيل:

وإذا الحَبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ ... جاءتْ محاسنُه بألفِ شفيعِ

<<  <   >  >>