للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال عبد بن حميد: سألني يحيى بن معين عن حديث أوَّلَ ما جلس إليَّ، فقلت: حدثنا حماد بن سلمة. فقال لو كان من كتابك، فقمت لأخرج كتابي، فقبض على ثوبي، ثم قال: أمله عليَّ، فإنَّي أخاف أن لا ألقاك، فأمليته عليه، ثمَّ أخرجت كتابي فقرأته عليه.

ومن أئمة التابعين مكحول الشامي (ت ١١٢ هـ) ـ رحمه الله ـ يقول: أعتقت بمصر فلم أدع بها علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق، ثمَّ المدينة فلم أدع بهما علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها.

يا سبحان الله، انظر إلى علو الهمة، والطواف بالبلاد والتجوال، وجمع العلم وإحرازه، ويا لعجبي من " فغربلتها " ‍‍‍!!

وقد بلغ حرصهم على الطلب أنَّ أحدهم كان ينزل به الهم والحزن، ويصيبه المرض، إذا فاته شيء من العلم.

فقد ذكروا حديثًا لشعبة لم يسمعه، فجعل يقول: " واحزناه!! " وكان يقول: إنِّي لأذكر الحديث يفوتني فأمرض.

فما يحزن القلب إلا إذا فاته عظيم عنده، محبوب لديه، لمَّا جاء إخوة يوسف ليأخذوه ليلعب قال أبوهم: " إنِّي ليحزنني أن تذهبوا به " [يوسف / ١٣] فكذلك كل محبوب يحزن القلب لفراقه، فإذا فاتك من العلم شيء فلم تحزن لفواته فاتَّهم ... نيتك، واعلم أنَّ بالقلب من العلائق ما قد حال بينك وبين أبواب العلم.

<<  <   >  >>