للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورئاستها القائمة، بالإضافة إلى ذلك، فإن لم يتصرف كسياسي باسم قريش، أو باسم قبيلة ما، بل اكتفى في عمله السياسي بشخصه وحده، وكانت هيبته الدنيوية لا تنفصل عن سلطانه النبوي الروحي، فهو لم يقم بجمع القبائل من حوله كشريف قريشي، وإنما كنبي ورسول فحسب، وقبيلته قريش كانت آخر من يمكن أن يدعي أنها قد ساهمت مساهمة جدية في مساعدته ونصرته.

وكأن النبي أراد بذلك أن يترك الأمر شورى بين المسلمين ليختاروا من يصلح لخلافته من بينهم جريًا على عادة النظام القبلي الذي ألفه العرب، وبخاصة أنه لم يكن له ولد ذكر يستخلفه من بعده.

لا يمكن لهذه الإشكالية، أن تجد حلًا معقولًا، ومقبولًا إلا على أرضية النظام القبلي السائد، وإن المؤرخ لهذه الحقبة، لا بد أن يرى جملة من التناقضات والصراعات التي تفجرت بعد وفاة النبي على أنها جزء لا يتجزأ من تركيبة الأمة نفسها١، وهو ما يفسر لنا تسابق القبائل، والبطون على أن يكون الأمر لها دون غيرها، وتجلت النفس العربية والطبيعة القبلية إذ ذاك، فالنصار يخافون قريشًا والمهارجون إن استأثروا بالأمر دونهم، وهم جميعًا فيما بينهم يتوجسون، وتخشى كل من الأوس والخزرج صاحبتها، ولم يكن الوضع في مكة بأقل منه في المدينة، فقد دب التنافس في هذا الأمر بين بطون قريش، فسعى أبو سفيان بن حرب في إيغار صدر علي على أبي بكر، ونعت عليًا والعباس بـ"الأذلين المستضعفين"٢.

ومن جهة أخرى، تضمنت روايات المصادر نية النبي، وهو على فراش الموت، كتابة وصية للمسلمين لن يضلوا بعدها، غير أنه حصل لغط، واختلاف بين الحاضرين، فمن قال: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجه، وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله"، وعلى رأس هؤلاء عمر بن الخطاب، ومن قائل: "قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم"، الأمر الذي ضايق النبي، فقال لهم: "قوموا عني، ما ينبغي أن يكون بين يدي النبي خلاف"، فقال عندئذ، ابن عباس: "الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم"٣.

ولعل النبي قد تأثر برأي عمر أكثر مما تأثر برأي غيره نظرًا لصدقه، وإخلاصه وصراحته في رأيه.


١ إبراهيم، أيمن: الإسلام والسلطان والملك ص١١٥.
٢ الطبري: ج٣ ص٢٠٩.
٣ ابن سعد: ج٢ ص٢٤٢.

<<  <   >  >>