للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الرابع: أوضاع الدولتين الفارسية، والبيزنطية عشية الفتوح الإسلامية:

أوضاع الدولة الفارسية ١:

الوضع السياسي: يبرز أمامنا، في بداية هذا الفصل، سؤال كبير هو كيف تمكن المسلمون من تحقيق انتصارات مذهلة على الجيوش الفارسية، والبيزنطية "الرومية" النظامية، مع أنهم كانوا خارجين حديثًا من جزيرتهم، ولأول مرة، كمحاربين فاتحين لم يبلغوا من التطور ما بلغته الشعوب التي فتحوا بلادها.

والواقع أن تلك الدولتين، وإن كانتا على شيء من الأبهة والعظمة، إلا أن الدولة الفارسية الساسانية٢ كانت تمر بمراحل شيخوختها، والدولة البيزنطية أهملت الدفاع عن حدودها الجنوبية مع الجزيرة العربية، كما كانت تمر بمرحلة تحول إدري عسكري بعد انتصارها على الفرس، ولم تجد الوقت الكافي للانتقال إلى الوضع


١ يتوجب قراءتها الدولة الإيرانية؛ لأن مفهوم كلمة بارس كما يستعملها غير الإيرانيين أوسع من مفهومها الأصلي، ويطلق سكان هذه البلاد على أنفسهم لقب الإيرانيين، ويسمون بلادهم إيران، والمعروف أن إيران التي أطلق عليها في الأفستا آيريانا هي موطن الآريين، وطبقًا لهذا فإن مفهوم هذا الاسم بعيد جدًا عن لفظ بارس؛ لأن بارس قسم من أرض إيران، ولما كانت اللغة العربية خالية من حرف "ب" استبدلوه بحرف "ف"، وعربت إلى فارس، وكانت فارس إحدى ولايات إيران العديدة، غير أنها لكونها مسقط رأس الأسرة الهخامنشية التي كانت تحكم إيران قبل الميلاد بستة قرون، والأسرة الساسانية التي حكمت إيران منذ القرن الثالث الميلادي، وقد رفعتها اسم إيران عالبًا في الشرق والغرب؛ فقد انتشر معنى هذا اللفظ الخاص، وأطلق على العام، وشمل الشعب كله، والمملكة بأسرها، وهي التي نسميها فارس، وسنستعمل هذا التعميم في هذه الدراسة فنقول مثلًا: الدولة الفارسية، الأراضي الفارسية، إلخ، انظر: الحموي: ج١ ص٢٨٩، ج٤ ص٢٢٦، ٢٢٧، براون: تاريخ الأدب في إيران ج١ ص٣٨، ٣٩.
٢ ينتسب الساسانيون إلى ساسان، وهو من عائلة نبيلة عاش في أواخر عهد الدولة الأشكانية، وكان سادنًا على بيت نار اصطخر يقال له: بيت نار أناهيد.

<<  <   >  >>