أوضاع بني تميم: انقسم بنو تميم على أنفسهم بعد وفاة النبي نتيجة عاملين: ديني يتعلق بامتناع فئة
من التميميين عن دفع الزكاة، وسياسي يتعلق بظهور مدعبة النبوة سجاح، والأثر الذي تركته على أوضاع القبلية من واقع محاولة مالك بن نويرة استغلالها لصالحه ضد خصومه في القبيلة.
ففي ما يتعلق بالعامل الأول، فقد كان رد فعل الذين كلفهم النبي بجمع الزكاة، أي العمال؛ رد غير المستيقن من خبر وفاة النبي، ويتم إثبات الشكوك والمؤامرات التي صدرت عن ولاة الأمور المتنافسين في ما رواه الطبري:"فكان الزبرقان بن بدر على الرباب وعوف والأبناء، وقيس بن عاصم على مقاعس والبطون، وصفوان بن صفوان، وسبرة بن عمرو علي بني عمرو، وهذا على بهدى، وهذا على خضم، ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة على بني حنظلة، هذا على بني مالك، وهذا على بني يربوع، فضرب صفوان إلى أبي بكر حين وقع إليه الخبر بموت النبي صلى الله عليه وسلم بصدقات بني عمرو، وما ولي منها وبما ولي سبرة، وأقام سبرة في قومه لحدث إن ناب القوم، وقد أطرق قيس ينظر ما الزبرقان صانع، وكان الزبرقان متعبًا عليه، وقلما جادله إلا مزقه الزبرقان بخطوته وجده، وقد قال قيس وهو ينتظر: لينظر ما يصنع ليخالفه حين أبطأ عليه: وا ويلنا من ابن العكلية! والله لقد مزقني فما أدري ما أصنع! لئن أنا تابعت أبا بكر، وأتيته بالصدقة لينحرنها في بني سعد فليسودني فيهم، ولئن نحرتها في بني سعد ليأتين أبا بكر فليسودني عنه، فعزم قيس على قسمها في المقاعس والبطون، ففعل، وعزم الزبرقان على الوفاء، فاتبع صفوان بصدقات الرباب وعوف الأبناء حتى قدم بها المدينة ... وتحلل الأحياء ونشب الشر وتشاغلوا، وشغل بعضهم بعضًا، ثم ندم قيس بعد ذلك"١.
من غير المجدي أن نحدد من كان يؤدي الزكاة ومن كان يمنعها، إلا أنه من الثابت أن بعض زعماء بني تميم كانوا مترددين، وأرادوا التربص والانتظار ليروا مدى ثبات أبي بكر في وجه المشكلات التي كان يواجهها، أما الاستثناء الوحيد فقد شكله مالك بن نويرة الذي ظل على رفضه أداء الأموال حتى وصول خالد، فانكشف أمام المسلمين من وجهين، وهنا يتداخل العاملان الديني والسياسي، إذ كان قد انضم إلى سجاح، وأنه امتنع عن إرسال الزكاة إلى المدينة، ويعد هذا التصرف منه أحد مظاهر الاحتجاج على موقفه من خلافة أبي بكر، كما أن علاقته بسجاح تشجع على هذا الاعتقاد، على الرغم من أنه رفض عرضها للتحالف ضد المدينة، وكفها عن