للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[معركة القادسية]

مقدمات المعركة:

قدر عمر خطر الاصطدام بالفرس حق قدره، وكان شديد القلق، وهو يتلقى أنباء الحشود الفارسية الهائلة المتقدمة نحو الحيرة حيث معسكر المسلمين، وكاد الوقت أن يكون لغير صالح الخلافة دون أن يتاح لها القيام بدور ما لتبديد هذا القلق، وإنقاد قواتها في العراق؛ لولا التدابير السريعة التي اتخذتها.

لقد قرر عمر عدم التراجع على الجبهة الفارسية مقتنعًا بأن الموارد البشرية الهائلة التي اكتسبها بتطبيع العلاقات مع قبائل الردة، وكذلك الموارد المادية الجيدة التي يمكن الاستفادة منها من فتوح الشام؛ كافية لتكوين قاعدة متينة لمواجهة التحدي الفارسي.

لذلك ما كادت كفة الصراع في بلاد الشام تتحول لصالح المسلمين، حتى تحولت الجهود الجدية إلى العراق، وحصر الخليفة زمام المسئولية، والمبادرة والقيادة بين يديه، وقال: "والله لأضربن ملوك العجم بملوك العرب"١.

وبعد مشاورات مستفيضة مع كبار الصحابة، تقرر إعادة انتشار القوات الإسلامية في العراق كخطوة أولى لتجنيبها خطر الإبادة على يد الفرس بانتظار قذف قوى جديدة إلى ميدان المعركة، فكتب عمر إلى المثنى يأمره بالخروج من بين ظهري الأعاجم، ويتنحى إلى البر، ويتفرق في المياه التي تلي الأعاجم على حدود الجزيرة العربية٢، فنزل المثنى بذي قار، ووزع قواته بالجل٣، وشراف٤ إلى غضي٥، فتفرقت في المياه من أول صحراء العراق إلى آخرها من غضي إلى القطقطانة٦، مسالح ينظر بعضهم إلى بعض٧.


١ المصدر نفسه: ص٤٨٧.
٢ الجل: موضع بالبادية على جادة طريق القادسية إلى زبالة، الحموي: ج٢ ص١٥٦.
٣ شراف: بين واقعة والقرعاء على ثمانية أميال من الأحساء، المصدر نفسه: ج٣ ص٣٣١.
٤ غضي: جبال البصرة، المصدر نفسه: ج٤ ص٢٠٧.
٦ القطقطانة: موضع قرب الكوفة من جهة البرية بالطف، بينها وبين الرهمية مغربًا نيفًا وعشرون ميلًا إذا خرجت من القادسية تريد الشام، الحموي: ج٤ ص٣٧٤.
٧ الطبري: ج٣ ص٤٧٨.

<<  <   >  >>