للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية تتعرض للضغط الخارجي، وسوء الأحوال الداخلية، انصرف هرقل إلى القيام بإصلاحات بالغة الأهمية، وهبتها قوة جديدة، لقد التفت في بادئ الأمر إلى إعادة تنظيم أقاليم الدولة بما أدخله من نظام الأجناد، وترتب على ذلك التخلص من أسس النظام الإداري الذي وضعه الإمبراطوران دقلديانوس وقسطنطين، والذي لم يعد ملائمًا لسد حاجات العصر١.

وجرى تقسيم الأراضي التي لم يمسها العدو بالضرر إلى أقاليم عسكرية كبيرة، وهي المعروفة بالأجناد، يتولى حكم كل منها قائد عسكري، وبذلك اتخذت التنظيمات الإدارية الجديدة طابعًا عسكريًا خالصًا٢.

ويتمثل هذا النظام في استقرار الجند في أقاليم آسيا الصغرى، وبلاد الشام، ولذا جرى إطلاق لفظ أجناد على الأقاليم العسكرية التي نشأت بعد ذلك، وأضحى هذا اللفظ الذي كان يطلق على لواء من الجند، يطلق على الأرض التي تشغلها القوات العسكرية، وتقرر منح الجند مساحات من الأرض كحل للاضطراب المالي بشرط أن تكون الخدمة العسكرية مقابل ذلك وراثية.

قسم هرقل آسيا الصغرى إلى أربعة أجناد هي: الأرمنياك ويقع إلى الشمال الشرقي، ويتاخم أرمينية، والأبسيق الذي يقع قرب بحر مرمرة على الساحل الغربي، والكاراباسيني، ويقع على الساحل الجنوبي لآسيا الصغرى، والناطليق ويقع في المنطقة الشرقية، أما الأقاليم الواقعة إلى الشرق، والجنوب من هذه الجهات، فكانت في أيدي الفرس لذلك لم يشملها نظام الأجناد٣.

ويعد نظام الإقطاع العسكري الأساس الذي قام عليه جيش وطني قوي، وهو الذي حرر الإمبراطورية مما تفتقر إليه من الجند المرتزقة الذين يكلفون الدولة أموالًا طائفة، وغدا الجند الفلاحون الذين حصلوا على إقطاعات مقابل الالتزام بالخدمة العسكرية، والنازلون في الإقطاعة، عنصرًا ثابتًَا في قوات الجيش البيزنطي، وأمدتهم إقطاعاتهم بالوسائل الاقتصادية التي تكفل لهم سبل العيش، فكان كل منهم يخرج إلى الحرب بسلاحه وفرسه٤، ومن النتائج التي ترتبت كذلك على قيام هذا النظام أن أصبح من اليسير تجنيد جيش من داخل الإمبراطورية البيزنطية يتراوح عديده بين


١ العريني: الدولة البيزنطية ص١٢٠.
٢.Vasilev: p٢٢٧. Ostrogonky: p٨٦
٣ العريني: ص١٢١.
٤ المرجع نفسه: ص١٢٢.

<<  <   >  >>