للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكلفه بالأعمال الشاقة، ويضربه ضربا مبرحًا إذا قصر في ذلك العمل، وقد تأثر بالبيئة التي عاش فيها كغيره من فتيان مكة وشبابها، تعلم الفارسية، والقتال حتى أضحى من أبطال قريش في الجاهلية، مهاب الشخصية، مرهوب الجانب، يدافع عن عبادة الأصنام بقوة، أجاد الكتابة والخطابة، والمفاخرة، تذوق الشعر ورواه، واعتلى منزلة رفيعة بين القرشيين في الجاهلية، فكان مكلفًا بالسفارة لهم.

وعندما بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وآمن به عدد من القرشيين وسكان مكة، كان عمر شديد الأذى عليهم، ويرى أنهم خرجوا على دين قومهم، وبالتالي تجب محاربتهم، فكان من أشد أهل مكة خصومة للدعوة الإسلامية، ومحاربة لها؛ لأنه رأى في تعاليم الإسلام ما يقوض النظام المكي، ويثير الفساد في مكة، لقد فرقت الدعوة الإسلامية كلمة قريش، ولا بد من وضع حد لها بالتخلص من صاحبها.

كان النبي يعرف تمامًا هذه الخصال في شخص عمر، ويطمع في إسلامه، ويرى بعض الذين أسلموا مبكرًا استحالة إسلامه، لكن النبي كان يدعو، ويلح بالدعاء: "اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام، أو بعمر بن الخطاب" ١، وكان أحبهما إليه عمر بن الخطاب.

كانت نفس عمر تضطرب، فإذا خرج إلى قومه، ورأى تفرقهم ساءه ذلك حتى عزم على القضاء على مصدر الفتنة، وظل هذا الخاطر يتردد في نفسه حتى أمر النبي محمد صلى الله عليه وسلم أتباعه بالهجرة إلى الحبشة فرارًا إلى الله بدينه، وبعد أن صبت قريش جام غضبها، وعذابها عليهم.

وساد مكة، بعد الهجرة إلى الحبشة، جو كئيب من الوحشة، إذ كان الذين هاجروا من الكثرة بحيث تركوا فراغًا هائلًا شعر به ذوو النفوس الحساسة، والعواطف الرقيقة، وكان من بينهم عمر بن الخطاب الذي انتابه قلق، وانقباض حتى فارقه المرح الذي عهد منه، وراح عمر يفكر في الحالة التي وصلت إليها مكة، ومرت به خواطر من الماضي حيث كان محمد لا يزال صغيرًا بينما هو الآن قد خرج، بعدما كبر، بتعاليم جديدة، أراد أن يفرضها على أهل مكة، تجعل الصديق يشهر سيفه في وجه صديقه، وتفرق الجماعة، وتفرض على الأغنياء أن يساعدوا الفقراء، وتلقي العداوة بين الأخ وأخيه.

وقرر عمر أن يضع حدًا لتلك الأحداث، وإخماد الفتنة التي تجتاح مكة نتيجة


١ ابن هشام: ج٢ ص٩٦.

<<  <   >  >>