للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رد فعل الفرس -تولية يزدجرد السلطة:

كان للأحداث السلبية التي شهدتها أرض العراق، رد فعل في الدوائر الحاكمة في فارس، إذ إن الهزائم المتكررة أدت إلى فقدان التوازن في دولة هرمة وعاجزة، وبدا واضحًا أن الارتباط الذي ساد مواقف الدولة إزاء الوجود العسكري الإسلامي في ممتلكاتها العراقية، أدى إلى ضياع الفرصة النادرة لوقف الخطر عبر ثلاثة أعوام من المجابهة الحذرة والمترددة، فتنبه حكام الفرس لخطورة الموقف، وأدركوا أن الأمور لم تجر على نحو طيب، إذ ما بعد بغداد وساباط، وتكريت سوى المدائن١.

وتشاور أركان الحكم لاختيار أنجح السبل للخروج من المأزق، فرأوا أنهم بحاجة إلى رجل حاكم يقودهم في الحرب، فعزلوا آزرميدخت٢، ونصبوا يزدجرد بن شهريار بن كسرى، وهو يزدجرد الثالث، فعين رستم قائدًا للجيش، وكلفه بأمر المسلمين في الجنوب، وجدد المسالح والثغور، وعين عليها حاميات عسكرية، فسمى جند الحيرة، والأنبار والمسالح، وجند الأبلة٣.

أدى هذا التفاهم، بين القيمين على شئون الحكم في فارس، إلى إنهاء حالة التمزق، كما رفع الروح المعنوية للدهاقنة، والسكان في السواد، فتوقفوا عن دفع الجزية للمسلمين، وفضوا عقود الصلح معهم، وقام الدهاقنة بمساعدة من كان لديهم من جنود ومقاتلة، بتنظيم انتفاضة فلاحية واسعة، ثم دعمها ماديًا ومعنويًا من قبل المدائن، وسارت هذه الانتفاضة بشكل مواز مع الإجراءات التي اتخذتها المدائن من واقع تنظيم جيش موحد تحت قيادة رستم بهدف التصدي للمسلمين.

وهكذا حقق يزدجرد الشروط الأولى الضرورية للبدء بمواجهة التطورات السلبية في جنوبي الإمبراطورية، وجسد الالتفاف حول حكمه تطورًا جديًا لدى الجانب الفارسي، وولد انعطافة نوعية في وضع القتال على الجبهة الفارسية، وكان البدء بالانتقال إلى عملية منظمة واسعة لفتح العراق فتحًا شاملًا، وطرد الحكام الفرس منه محتوى هذه الانعطافة لدى الجانب الإسلامي٤.

أثارت هذه الصحوة السياسية، والعسكرية للفرس المثنى، الذي أدرك أنه توغل في


١ الطبري: ج٣ ص٤٧٧، بيضون: ملامح التيارات السياسية ص٥٣، ٥٤.
٢ لقد خلفت أزرميدخت الملك جشنده، وكان هذا قد خلف بوران بنت كسرى أبرويز، الطبري: ج٢ ص٢٣٢.
٣ المصدر نفسه: ص٢٣٤، ٢٣٥.
٤ إبراهيم: ص١٤٩.

<<  <   >  >>