للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصية لسعد تتضمن خلاصة تجاريه العسكرية في العراق، وأمر أخاه المعنى أن يعجل بها إليه١.

كانت الحملات الإسلامية السابقة تستهدف دخول المدائن عن طريق اختراق أرض العراق من خلال إقليم الحيرة، إذ يعد هذا الإقليم القاعدة المتقدمة للوثوب على عاصمة الساسانيين، ومع ذلك لم يغب عن تفكير أبي بكر الصديق من قبل، وعمر بن الخطاب من بعد، وقادتهما، أهمية منطقة الأبلة وشط العرب، وقد ذكرنا كيف أمر أبو بكر خالدًا بن الوليد أن يبدأ غزو العراق من الأبلة، ولم يغفل خالد أمر ذلك الثغر، فكان يترك فيه حامية عسكرية لحفظ أمن جيشه من تلك التخوم، ومراقبة تحركات الجيوش الفارسية، ورأينا المثنى ينتهج الخطة نفسها حين انسحب من العراق، فنشر قواته ما بين القطقطانة شمالًا إلى غضي بجبال البصرة جنوبًا، لذلك كتب عمر إلى سعد أثناء خروجه من زرود إلى شراف: "أن ابعث إلى فرج الهند رجلًا ترضاه يكون بحياله، ويكون ردءًا لك من شيء إن أتاك من تلك التخوم"٢، فأرسل سعد المغيرة بن شعبة على رأس خمسمائة فارس، فتمركز في غضي بالصحراء تجاه البصرة، حيث كان جرير بن عبد الله البجلي ما زال هناك منذ أن أرسله المثنى، ولكن جريرًا سوف ينضم إلى قوات سعد المتقدمة باتجاه الحيرة، وكذلك سوف يفعل المغيرة، فاختص شريح بن عامر أحد بني سعد بن بكر بالتمركز في ثغر الأبلة، وكان يغير على المناطق المجاورة، ومضى إلى الأهواز من أرض إيران٣.

كانت محصلة جملة هذه التدابير تشكيل جيش بلغ تعداده بضعة وثلاثين ألف مقاتل، والجدير بالذكر أن عمر، وسعدًا بتنظيمهما لهذا الجيش قاما بوضع الأشكال التنظيمية الأساسية لجيوش المسلمين في هذه المرحلة، وهي ستغدو عما قريب الأساس التنظيمي لديوان عمر، كما بلورت وعيًا جديدًا لدى المقاتلين حيث بدا واضحًا توسع رقعة الاستفادة من الغنائم بالانتقال من غزو قرية، أو مدينة إلى غزو شامل للأراضي الفارسية بأكملها، وأن المعادلة الآن هي إما الخسران الكامل، أو الربح الكامل٤.

استقبل سعد، وهو في شراف، المعنى بن حارثة الذي سلمه وصية المثنى ليستأنس بمضمونها في حروبه، وفيها: "ألا يقاتل عدوه وعدوهم -يعني المسلمين-


١ الطبري ج٣ ص٤٨٩، ٤٩٠، البلاذري: ص٢٥٥، ٢٥٦.
٢ الطبري: ج٣ ص٤٨٧، ٤٨٨.
٣ المصدر نفسه: ص٤٨٨.
٤ إبراهيم: ص١٥٠.

<<  <   >  >>