للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحداث المعركة:

أثار حديث المغيرة الحمية، والغيرة في نفس رستم، كما عظم على أصحابه أن يفرض العرب الجزية على الفرس، فأصدر أوامره بالاستعداد فورًا للقتال، وأرسل إلى سعد يقول له: "إما أن تعبروا إلينا، وإما أن نعبر إليكم"١، وما كان لسعد أن يعبر النهر، ومعركة الجسر ماثلة في ذهنه، لذلك بقي في مكانه مطمئنًا إلى موقعه يحميه النهر أمامه وخندق سابور عن يمينه، والصحراء وراء ظهره، وكان لا بد لرستم من أن يعبر النهر، وبدأت جموع الفرس تتوجه نحو القنطرة ليعبروها، فضايقهم المسلمون؛ لأن سعدًا قرر أن يحتفظ بهذا الموقع نظرًا لأهميته العسكرية، إذ يعد مخرجًا سهلًا للفرس إذا دارت الدائرة عليهم، كما يتيح لهم الانتقال إلى مواقع أخرى تتيح لهم الصمود في معارك تالية أمام المسلمين، لذلك تمهل رستم حتى جن الليل، ثم أمر جنوده فطمروا العتيق بالتراب، والقصب وعبروا عليه٢.

عبأ رستم قواته في ثلاثة عشر صفًا الواحد تلو الآخر، فوضع الهرمزان على الميمنة والجالينوس على يساره، ووضع مهران على الميسرة، واختص هو بالقلب، وضرب لنفسه قبة نصب فيها سريره الفخم، وعين بهمن

في الوسط بينه، وبين الجالينوس وبيرزان على يساره، ووزع الفيلة في مؤخرة

القلب، وفي الميسرة والميمنة، ووضع الرجال على مسافات قصيرة لإيصال أخبار المعركة إلى المدائن٣، وهذا نظام مستحدث بدلًا من نظام البريد التقليدي.

وفي المقابل، عبأ سعد قواته، فعين زهرة بن حوية التميمي على المقدمة، ووضع عاصمًا بن عمرو التميمي في الوسط بين ميمنة عبد الله بن المعتم العبسي، وميسرة شرحبيل بن السمط الكندي، وعين صاحب الطلائع سوادًا بن مالك الأسدي على الطراز -المبارزة-، وشغل المسافات والفجوات، فخلط بين الجند في القلب، والميمنة والميسرة، واعتمد في اتصاله بالمدينة على البريد اليومي٤.

كان مصير فارس يتوقف على نتيجة المعركة، فإذا لم يضرب رستم المسلمين في القادسية، فسوف ينهار سلطان الأكاسرة، وتزول هيبة الفرس، لذلك كان الفرسان يتحرقون شوقًا للقاء المسلمين.

لم يشترك سعد مع الجيش في المعركة؛ لأنه كان يشتكي من عرق النساء، فكان


١ الطبري: ج٣ ص٥٢٩.
٢ المصدر نفسه.
٣ المصدر نفسه ٣ ص٥٣٠.
٤ المصدر نفسه.

<<  <   >  >>