للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإمدادات، فانسحبت شمالًا نحو الفرات وعبرته دون قتال، ودخل عنه الأبلة وكتب إلى عمر يخبره بالفتح، وكان ذلك في شهر "رجب ١٦هـ/ آب ٦٣٧م"١.

آثار سقوط الأبلة بيد المسلمين قادة النواحي، ومنهم مرزبان دست ميسان٢، فحشد قوة صغيرة، واصطدم بهم، إلا أنه هزم وولى الأدبار، واستغل عتبة الوضع

السيئ للحاميات الفارسية القليلة العدد بأسفل دجلة والفرات، لمهاجمتها، وطردها من المنطقة، فتقدم نحو ميسان واشتبك مع الفرس في نواحي المذار وأبرقباذ، وهزمهم، وعاد إلى البصرة٣.

تمصير البصرة:

بالقدر الذي تحولت فيه عمليات الفتوح في العراق، وفي الأقطار الأخرى، بعد ذلك، إلى حالة دائمة ومستقرة؛ أخذت تتوضح بذات القدر ملامح تنظيم جديد يحل محل أشكال الاستقرار الطارئة، والعفوية والمحلية التي كانت سائدة في البداية، فمن البديهي أن العرب وقد غادروا الجزيرة العربية كمحاربين، فإن التجمعات السكانية في المدن، والقرى المفتوحة ظلت كالسابق مقتصرة على سكانها الأصليين دون اختلاط بين هؤلاء وبين العرب، فقد كان الخليفة حريصًا على أن يكون العنصر المقاتل في الدولة من العرب وحدهم، وهذا أمر طبيعي في وقت لم يكن فيه إسلام الشعوب الخاضعة لهم قد طرح جديًا في تلك المرحلة المبكرة، وبهدف الاحتفاظ بشدة الروح القتالية لدى العرب، عمد الخليفة إلى إبعاد هؤلاء عن المراكز الحضارية، خارج الجزيرة العربية، وتجميعهم في قواعد عسكرية يتم اختيارها عادة على شواطء الأنهار، وهي قريبة الشبه بالقواعد العسكرية من حيث المهمات المنوطة بها، ودورها في خطط الفتوح٤.

كانت قاعدة البصرة في جنوبي العراق من أقدم هذه الأمصار، وكان عمر، لكي يحمي البلاد من الهجمات الفارسية الارتداية، قد كلف عتبة بن غزوان بإقامة مدينة قريبة من ميناء الأبلة، حيث كانت ترسو سفن فارس والهند، وقد وصف له طبيعة الأرض وموقعها: "أجمع أصحابك في موضع واحد، ولكن قريبًا من الماء والمرعى، واكتب إلي بصفته، فاختار موضع البصرة، وكتب إلى الخليفة بصفته، فاستحسنه


١ الطبري: ج٣ ص٥٩٤.
٢ دست ميسان: كورة جليلة بين واسط والبصرة والأهواز، وهي إلى الأهواز أقرب، الحموي: ج٢ ص٤٥٥.
٣ الطبري: ج٣ ص٥٩٥.
٤ بيضون: ص٩٦.

<<  <   >  >>