للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نزل سعد في الأنبار، وقرر اتخاذها مقرًا، ولكن كثرة الذباب فيها اضطره إلى النزوح إلى كويفة عمر، فلم يجدها كما يرغب، فكتب إلى الخليفة للوقوف على رأيه، فأجابه: "إن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان، فابعث سلمان، وحذيفة١ رائدين، فليرتادوا منزلًا بريًا بحريًا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر"، نفذ سعد أوامر عمر، ونجح الرائدان في اختيار مكان مناسب بين الحيرة والفرات، فنزله المسلمون في شهر "محرم ١٧هـ/ كانون الثاني ٦٣٨م"، وضربوا خيامًا في بادئ الأمر حتى يظلوا متأهبين للجهاد، ويبدو أن هذه كانت رغبة الخليفة حتى لا يلجأ المسلمون إلى الدعة، ثم أذن لهم بعد ذلك بأن يقيموا بيوتًا من القصب والقش، ولكن حريقًا كبيرًا شب، فالتهم معظم هذه البيوت، فطلب المسلمون من عمر أن يأذن لهم بإعادة البناء باللبن، فأذن لهم بشرط ألا يتطاولوا في البنيان٢.

أشرف أبو الهيجاء بن مالك الأسدي على تخطيط المدينة، وأول ما شيد من أبنيتها المسجد الجامع، وبنيت أمامه ظلة واسعة المساحة أقيمت على أعمدة، وشيدت دار الإمارة بجوار المسجد، وسميت قصر سعد، وأقام الجند منازلهم حول فناء المسجد، فاختارت كل قبيلة مكانًا نزلت فيه وجعلت به خيامها. وكان من أهم مميزات المدينة الجديدة اتساع طرقها، حتى لا تحجب الأبنية هواء البادية عن سكانها.

فتوح فارس "إيران":


١ الطبري: ج٤ ص٤١، ٤٢.
٢ المصدر نفسه: ص٤٣، ٤٤.

<<  <   >  >>