للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدافع الثاني: قلق عمر من تعلق الناس بشخص خالد: ويظهر هذا الدافع في روايات متعددة، "لما ولي عمر قال: لأعزلن خالدًا حتى يعلم أن الله ينصر دينه"١.

وقال: "إني لم أعزله والمثنى عن ريبة، ولكن الناس عظموهما، فخشيت أن يوكلوا إليهما"، وفي رواية: "إنما عزلتهما ليعلم الناس أن الله نصر الدين لا بنصرهما، وأن القوة لله جميعًا"٢.

الدافع الثالث: العناد والتصرف بالمال، وغنائم الحرب: اعتذر عمر إلى الناس بالجابية عن عزل خالد، فقال: "أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس والشرف واللسان، فنزعته وأمرت أبا عبيدة"٣، وتجري رواية أنه قال: "ما كرهت ولاية خالد على المسلمين إلا؛ لأن خالدًا فيه تبذير المال، ويعطي الشاعر إذا مدحه، ويعطي للمجد والفارس بين يديه فوق ما يستحقه من حقه، ولا يبقي لفقراء المسلمين، ولا لضعفائهم شيئًا، وإني أريد عزله وولاية أبي عبيد مكانة٤، وفي حوار جرى بين عمر، وعلي بن أبي طالب ينتقد فيه الثاني الأول بسبب عزله خالدًا، فيدافع عمر عن نفسه قائلًا: "إن خالدًا أبى أن يعده بالكف عن صنوف عناده"٥، وكان عمر يدعوه إلى أن يستعمله، فيأبي إلا أن يخليه يعل ما يشاء، فيأبى عمر.

تعقيب على حادثة العزل:

- تبدو الأسباب المبنية على عداوة قديمة، واتهامات شخصية واهية، ولا تثبت أمام النقد البناء، ثم إن قضية عزل أقدر قادة المسلمين من منصبه بسبب أذى جسدي تبقى مدعاة للاستهزاء٦، ولا يسعنا الأخذ بها نظرًا لما اشتهر به عمر من عدالة، ونزاهة وترفع عن الصغائر، وجرأة في قول الحق تنزهه عن الوقوع في حمأة الحقد والضغينة.

- تتسم الروايات التي تذكر قلق عمر من تعلق الناس بشخص خالد بالأهمية، مما قد ينعكس سلبًا على إيمان المجتمع الإسلامي بفعل ما قد ينسبه الناس إليه من أسباب النصر، وفي هذه الحالة، تغدو غيرة المسلمين على عقيدتهم، وثباتهم عليها بعد وفاة النبي موضعًا للتساؤل، والمعروف أن خالدًا لم يكن قد سجل كامل انتصاراته.


١ تاريخ خليفة بن خياط: ص٦٥.
٢ ابن كثير: ج٧ ص١١٥.
٣ ابن عساكر: ج١٦ ص٢٦٤.
٤ البلاذري: أنساب الأشراف: ج١٠ ص٢١٠، الواقدي: ج١ ص٩٦.
٥ ابن منظور: ج٨ ص٢٦.
٦ كلير: ص٣١١.

<<  <   >  >>