والشعب المصري، وكان المظهر الوحيد للسيادة المركزية، والإدارة التي تؤمن مصالح الدولة الحاكمة، هو وجود مراكز عسكرية في المدن الكبرى، وبعض الحاميات المنتشرة في الداخل١.
وكانت مصر، بوصفها مرتبطة مباشرة بالحكم المركزي، تتأثر بما كان يحدث في البلاط البيزنطي من صراعات، ومؤامرات من أجل السلطة، فتعرض المصريون لأشد أنواع المضايقات في عهد الإمبراطور فوقاس "٦٠٢-٦١٠م"، فما اشتهر به عهده من المؤامرات والاغتيالات، إنما حدد الإطار الخارجي الذي جرى في نطاقه من العوامل ما أدى إلى انتشار الفوضى، والتفكك البطيء في الحكومة والمجتمع، وقد تأثرت مصر بذلك، فامتلأت أرض الصعيد بعصابات اللصوص، وقطاع الطرق، وغزاها البدو وأهل النوبة، واضطربت أوضاع مصر السفلى أيضًا، وأضحت ميدانًا للشغب والفتن، والثورات بين الطوائف، وقد توشك أن تكون حربًا أهلية، وانصرف الحكام إلى جمع المال لخزينة الإمبراطورية بغض النظر عن مشروعية الوسائل، أو عدم مشروعيتها، فاضطرمت مصر بنار الثورة.
وتعرضت الإمبراطورية في هذه الأثناء إلى كارثة خطيرة، إذا هزمت عسكريًا في البلقان، وآسيا الصغرى، وبلاد الشام، واجتاحتها الجيوش الفارسية، ثم شرع الفرس بغزو مصر، فسقطت الإسكندرية في أيديهم في عام ٦١٩م، ولم تلبث مصر كلها أن أضحت تحت حكمهم.
شعر المصريون بحرية لم يعهدوها من قبل في ظل حكم فوقاس، ذلك أن الفرس تركوا لهم أمر الحكم على نحو من اللامركزية المألوفة في بلادهم، وأسقطوا عنهم كثيرًا من الأعباء التي كانت ترهقهم، وإن ظلوا متعالين عليهم بوصفهم الطبقة الحاكمة.
وهكذا استهل القرن السابع الميلادي، والدولة البيزنطية تسير في طريق الانحدار، ولم ينقذ الموقف إلا ثورة حاكم أرخونية إفريقية، على حكم فوقاس، وانحازت إليه مصر، ونجح هرقل في خلع فوقاس، وتولى الحكم.
وبفضل ما اتخذه من تدابير إصلاحية، عسكرية وإدارية، نهض لقتال الفرس، واسترد ما فقدته الإمبراطورية البيزنطية على أيديهم، فاستعاد بلاد الشام ومصر، وكان الأقباط سكان مصر يأملون أن يجدوا في الحكم الجديد سيرًا أرفق بهم مما كانوا يعانونه من عسف فوقاس، وبأن يكافئهم هرقل على مساندتهم له، وألا يرهقهم حكمه.