للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتح حصن بابليون:

لم يبق بأيدي البيزنطيين سوى حصن بابليون، فكان هدف عمرو التالي قبل أن يتوجه إلى الإسكندرية لفتحها، إذ لم يشأ أن يشتت قواته، ويضعفها ليذر قسمًا منها على حصار الحصن، وليسير بالقسم الآخر إلى الشمال حتى يبلغ الإسكندرية، مما يشكل خطرًا على إنجازاته التي حققها حتى ذلك الحين من واقع رد فعل البيزنطيين الذي سوف يستغلون هذه الفرصة؛ ليقوموا بحركات ارتدادية يستعيدون بواسطتها ما فقدوه من أراضي، ويطردون المسلمين من مصر، لذلك ركز جهوده العسكرية على فتح الحصن، فسار إليه في شهر "شوال ١٩هـ/ أيلول ٦٤٠م" وحاصره١.

أدرك سكان الحصن، وأفراد حاميته أن الحصار سوف يطول لسببين:

الأول: أنه بدأ في وقت فيضان النيل وارتفاع مياهه، فيتعذر على المسلمين أن يجتازوه أن يهاجموا الحصن، ولا بد لهم من الانتظار حتى هبوط الفيضان.

الثاني: أن مناعة الحصن ومتانة أسواره، وما يحيط به من الماء وضعف وسائل الحصار؛ سوف يشكل عائقًا أمام المحاصرين من الصعب أن يجتازوه بسرعة، وما غنموه من بعض آلات القتال أثناء فتح الفيوم لم يكن لهم خبرة باستعمالها أو بطرق إصلاحها إذا تعطلت، لذلك استعد الطرفان لحصار طويل، والواقع أن الحصار لم يكن محكمًا، فقد ظلت طريق الإمدادات بين الحصن والجزيرة -الروضة- مفتوحة؛ لأن عمرًا لم يكن قد أحكم سيطرته على الطرق المائية بعد.

كان المقوقس داخل الحصن عندما بدأ الحصار، أما قيادة الجيش فكانت للأعيرج٢، هو قائد بيزنطي، وتراشق الطرفان بالمجانيق من جانب البيزنطيين والسهام والحجارة من جانب المسلمين، مدة شهر، حيث بدأ فيضان النيل بالانحسار، وأدرك المقوقس أن المسلمين صابرون على القتال، وأنهم سوف يقتحمون الحصن بصبرهم، وشجاعتهم كما يئس من وصول إمدادات من الخارج، والحقيقة أن شدة بأس المسلمين في القتال، وصبرهم أدى إلى هبوط معنويات المقوقس، فاضطر إلى عقد اجتماع مع أركان حربه للتشاور في الأمر، وتقرر بذل المال لهم ليرحلوا عنهم، وأن يذهب المقوقس بنفسه للتفاوض مع عمرو في هذا الشأن بشكل سري حتى لا يعلم أحد من المدافعين عن الحصن، فتهن عزائمهم، فخرج من الحصن تحت جنح الظلام مع جماعة من أعوانه، وركب سفينة إلى جزيرة


١ البلاذري: ص٢١٤، الطبري: ج٤ ص١٠٢.
٢ لعله تحريف جورج.

<<  <   >  >>