للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينهما، فاصطدم عمرو بأفراد الحامية وانتصر عليهم، ودخل نقيوس، وفرت فلول المنهزمين إلى الإسكندرية١.

تابع عمرو تقدمه، واصطدم بقوة عسكرية بيزنطية أخرى عند سلطيس٢، وتغلب عليها، وكان حصن كريون٣ آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية، وقصد اعتصم به تيودور قائد الجيش البيزنطي مع حامية قوية، كما تدفقت عليه الإمدادات من المناطق المجاورة، واشتبك الطرفان في عدة معارك على مدى بضعة عشر يومًا، كان بعضها شديدًا حتى إن عمرًا صلى يومًا صلاة الخوف٤. وتمكن المسلمون أخيرًا من اقتحام الحصن، وتغلبوا على الحامية العسكرية، فقتلوا بعض أفرادها، وفر البعض الآخر إلى الإسكندرية للاحتماء بها، وكان تودور من بين هؤلاء، وطاردهم المسلمون حتى بلغوا الإسكندرية في "منتصف رجب ٢٠هـ/ أواخر حزيران ٦٤١م"٥.

فتح الإسكندرية:

أدرك عمرو، فور وصوله إلى الإسكندرية ودراسته للوضع الميداني، أن المدينة حصينة إذ يحيط بها سوران محكمان، ولها عدة أبراج ويحيط بها خندق يملأ من ماء البحر عند الضرورة للدفاع، وتتألف أبوابها من ثلاث طبقات من الحديد، ويوجد مجانيق فوق الأبراج، ومكاحل، وقد بلغ عدد جنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطور البيزنطي خمسين ألف جندي، ويحيمها البحر من الناحية الشمالية، وهو تحت سيطرة الأسطور البيزنطي، الذي كان يمدها بالمؤن والرجال والعتاد، وتحميها قريوط من الجنوب، ومن المعتذر اجتيازها، وتلفها ترعة الثعبان من الغرب، وبذلك لم يكن للمسلمين طريق إليها إلا من ناحية الشرق، وهو الطريق الذي يصلها بكريون، وكانت المدينة حصينة من هذه الناحية، ومع ذلك لم ييأس،


١ بتلر: ص٣١٠، ٣١١.
٢ ابن عبد الحكم: ص١٥٦، وسلطيس: من قرى مصر القديمة، الحموي: ج٣ ص٢٣٦.
٣ كربون: اسم موضع قرب الإسكندرية، الحموي: المصدر نفسه ج٤ ص٤٥٨.
٤ ابن عبد الحكم: ص١٥٦، ١٥٧.
٥ المصدر نفسه: ص١٥٧، بتلر: ص٣٢٠، يذكر البلاذري أن عمرو بن العاص سار إلى الإسكندرية في سنة إحدى وعشرين، وهذا لا يتوافق مع التواريخ التي اعتمدناها منذ دخول المسلمين إلى مصر، انظر فتوح البلدان: ص٢٢١، والواقع أن الصعاب التي تواجه المؤرخ المعاصر في معالجته لتأريخ الفتوح كثيرة، حتى ليخيل إليه أن الوصول إلى الحقيقة فيها يكاد يكون مستحيلًا، وذلك من واقع الخلط، والتناقض في روايات المصادر الإسلامية بخاصة، مما ضلل المؤرخين المحدثين وحيرهم.

<<  <   >  >>