للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لاجئًا متخفيًا خشية أن يقبض عليه، أعيد إلى مركزه، وأضحى بإمكانه أن يقوم بواجباته الدينية وهو مطمئن، وكان يستقطب الناس إلى مذهبه بالحجة والإقناع، واستطاع ان يحصل على بعض الكنائس التي تركها الملكانيون بعد خروجهم، وضمها إلى كنائس البطريركية، ولما عاد إلى الإسكندرية قال لأتباعه: "عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنًا من الخوف، واطمئنانًا بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم"١.

كان من أثر الحرية الدينية، والمعاملة السمحة أن أقبل كثير من الأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام، والدخول فيه.

الأثر الإداري:

خلت بخروج البيزنطيين بعض الوظائف الحكومية التي كان يشغلها هؤلاء؛ ولأن المسلمين لم يكن لهم عهد بعد بالشئون الإدارية، وكان يهمهم أن تستمر الإدارة في العمل، وأن تجمعل الضرائب، بغض النظر عما يختص بالعاملين في الحقل الوظيفي؛ فقد فتحوا أبواب العمل أمام القادرين، والراغبين من الأقباط، والمعروف أن الإدارة الإسلامية الجديدة احتفظت بثلاثة موظفين بيزنطيين في مراكز إدارية كبيرة هي: حاكمية مصر السفلى وتولاها ميناس، وحاكمية منطقة الفيوم، وتولاها فيلوخينوس، وحاكمية الريف الغربي، وتولاها سنيوتيوس٢.

وبفعل هيمنة الموظفين الأقباط على العمل الإداري، أضحت اللغة القبطية اللغة الرئيسة في الإدارة، ولغة الدواوين، فحلت بذلك محل اللغة اليونانية، وحافظ المسلمون على الأساليب البيزنطية في تدوين الدواوين وجمع الضرائب، فانتعشت الثقافة القبطية مجددًا، وأخذت تملأ الفراغ الذي نتج عن الخروج البيزنطي، واعتنى الأقباط بتعلم اللغة العربية؛ لأنها كانت لغة الفاتحين، واحتفظ المسلمون بقيادة الجند والقضاء.

الأثر الاقتصادي:

كانت مصر تتعرض بين سنة، وأخرى لضائقة اقتصادية ناتجة عن انخفاض ماء النيل مما يسبب خلًا في المعادلة الاقتصادية، وقد عانى المصريون كثيرًا من هذه


١ المقريزي: ج٤ ص٤٠٧، ٤٠٨، بتلر: ص٤٥٦-٤٦٠.
٢ بتلر: ص٣٨٤.

<<  <   >  >>