للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلطة، وبعد أن شمل نشاطها الأحوال الشخصية للأفراد، فبدأت الدراسات الحديثة بالظهور، المتعلقة بكيفية تنظيم أجهزة الدولة، واختيار الحكام، واكتشاف مبادئ الإدارة العامة التي تكفل أداء الوظائف الحكومية في أقصر وقت، وأقل كلفة وبأقصى فاعلية، لكن الإدارة موجودة منذ وجود الدول والمجتمعات الإنسانية، فكل تجمع إنساني يقيم على أرض واحدة، له مصالح مشتركة، لا بد له من قيادة ترعاه وتسوس أمره، بالقدر الذي تتمتع به من الكفاءة، والمقدرة الشخصية.

والإدارة العامة هو فن تنظيم، وإدارة القوى البشرية، والمادية لتحقيق الأهداف الحكومية، وهي جزء لا ينفصل عن نشاط كل جماعة منظمة، وتكون جانبًا من عمل الحاكم، وتشمل كافة الواجبات، والوظائف التي تختص أو تتعلق بإدارة المشروع، من حيث تمويله ووضع سياسته الرئيسة، وتوفير ما يلزمه من معدات وإعداد الإطار الذي يعمل فيه، واختيار الرؤساء والأفراد القياديين، وذلك للوصول إلى الهدف بأحسن الوسائل وأقل التكاليف، في حدود الموارد المتاحة ويحسن استخدامها، فالإدارة إذن، تتكون من جميع العمليات التي تستهدف تنفيذ السياسة العامة١.

تطور الإدارة العامة:

ظهرت الإدارة الإسلامية بعد تأسيس الدولة في المدينة، حيث اكتملت أركانها بتوفر الأرض ووجود الشعب، وقيام السلطة بأنواعها التشريعية والقضائية والتنفيذية، متمثلة بشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم القائد، والمؤسس الأول لدولة الإسلام، فكان يقضي بين الناس ويفتيهم، وينظم شئون الدولة من واقع هيكل تنظيمي للوظائف المختلفة.

وبرزت في عهد أبي بكر الذي تسلم الحكم بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مشكلات سياسية، وإدارية بما واجهه من ارتداد العرب، واهتمامه بالقضاء على مظاهر تلك الردة، بل إنه أنفذ جيش أسامة، وبدأ بتنظيم الجيوش لمحاربة المرتدين، وبعد أن قضى على كل مظهر للردة، ورأب الصدع، وثبت دعائم الدولة، ووطد الأمن في أرجائها؛ وجه جيوش الفتوح إلى العراق، وبلاد الشام.

واستلم عمر إدارة الدولة بعد وفاة أبي بكر، وقد أحاط بها الأعداء من كل جانب، وبخاصة الدولتان الفارسية والبيزنطية، فانتدب الناس لمحاربتهما، وانتصر المسلمون عليهما، وفتحوا العراق وفارس وبلاد الشام ومصر، فاتسعت بذلك رقعة الدولة، واختلط العنصر العربي بالعنصر الأعجمي من سكان البلاد المفتوحة، وتدفقت


١ القريشي، غالب بن عبد الكافي: أوليات الفاروق في الإدارة والقضاء ج١ ص٥٣، ٤٥.

<<  <   >  >>