للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تشير هذه الروايات أي إشارة إلى اختلاف شروط الصلح بين هذه المدن، وبين سائر مدن بلاد الشام التي قاتلت قبل التوقيع على هذه الصورة أو تلك١.

الواضح أن مسألة الفتح صلحًا، وعنوة إنما نشأت تاريخية في بادئ الأمر نتيجة الوضعية الفعلية لشكل الفتح، ثم اتخذت بعد ذلك منحى فقهيًا٢، وأن النقاش الفقهي ارتبط مع قضية التعديل في نظام الجزية والخراج، وفي نظام الضرائب عمومًا، في العصرين الأموي والعباسي، والتي كانت تطرح باستمرار كلما اشتدت حاجة بيت المال للأموال، والمعروف أن الكثير من عقود الصلح حددت آنذاك كمية الجزية، والخراج تحديدًا عدديًا، وأن تغيير هذا كان يتطلب تبريرًا شرعيًا، وكان تحديد هذه البلاد، أو تلك قد فتحت عنوة يساعد على إطلاق البدء في تعديل، وتغيير الشروط كما يشاء، وأما تحديد الفتح صلحًا، فكان يعني الإقرار بأن أهل البلاد المعنيين أصحاب عقد لا يجوز لمسلم أن يخل به٣، يروي الطبري بشأن فتح الإسكندرية " ... أن ملوك بني أمية كانوا يكتبون إلى أمرءا مصر أن مصر إنما دخلت عنوة، وإنما هم عبيدنا نزيد عليهم كيف شئنا، ونضع ما شئنا"٤.

ويؤكد الماوردي ظاهرة تحول شكل الفتح إلى مسألة فقهية، عندما أدخلها في صلب المعالجات الفقهية، من واقع استعراضه بالتفصيل للمواقف الفقهية المختلفة في تحديد الأشكال التاريخية لفتوح البلدان، وبالتالي ما يترتب على تقسيم كهذا من تنوع في مسائل تحديد الجزية والخراج٥، ويخصص فصلًا كاملًا حول حكم أرض السواد٦، ويبرر أهمية هذه البلاد؛ لأنها "أصل حكم الفقهاء بما يعتبر به نظائرها"٧، ويشير إلى أن الفقهاء اختلفوا في حكم السواد وفتحه، فذهب أهل العراق إلى أنه فتح عنوة، ولكن لم يقسمه عمير بين الغانمين، وأقره على سكانه، وضرب الخارج على أرضه، ويقر الشافعي بأن السواد فتح عنوة، واقتسمه الغانمون ملكًا ثم استنزلهم عمر، فنزلوا إلا طائفة استطاب نفوسهم بمال عاوضهم به عن حقوقهم منه، فلما خلص للمسلمين، ضرب عمر عليه خراجًا، فاختلف أصحاب الشافعي، فذهب أكثرهم إلى


١ فتوح البلدان: ص١٣٣.
٢ قارن بإبراهيم الذي يرى أن قضية الفتح عنوة، وصلحًا إنما نشأت لاحقًا في سياق تأسيس النظام الضريبي للدولة الإسلامية الأموية ثم العباسية، وهي قد نشأت كمشكلة فقهية، ص١٦٨.
٣ المرجع نفسه: ص١٦٧.
٤ تاريخ الرسل والملوك: ج٤ ص١٠٦.
٥ الأحكام السلطانية: ص١٧٤-١٧٦، ١٨١-١٩٨.
٦ المصدر نفسه: ص٢١٧-٢٢٢.
٧ المصدر نفسه: ص٢١٧.

<<  <   >  >>