للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لحسابات سياسية، في الوقت الذي أدرك فيه أن سقوط الخليفة بات وشيكًا مما يفتح الباب على مصراعيه أمامه لإعلان خلافته في دمشق باسم حق الوراثة في الأسرة الأموية، ومع ذلك لا يمكن تجريده من التفكير العاطفي الطبيعي آنذاك، ومما يملي من روابط وشعور ومساندة، فمن المستحيل أن تعزى إليه حسابات تذهب إلى حد تمني موت ابن عمه، وربما كانت العاقبة الأكثر احتمالًا هي فقدانه لمنصبه، أما التأخر في إرسال التعزيزات فمرده، إما إلى التأخر في طلب النجدة ذاتها من جانب عثمان، وإما إلى طابع الأمر غير المألوف، إذ عندما وصلت القوة الشامية إلى وادي القرى بلغ أفرادها قتل عثمان، فرجعوا١.

سيدوم حصار عثمان أربعين يومًا٢، ويدل ذلك على أن الثائرين لم يكونوا حتى هذه المرحلة راغبيين في قتله، بل الضغط عليه من أجل تسليمهم مروان بن الحكم، زعيم بطانته الذي حملوه مسئولية تصعيد الأمة، ووصولها إلى حد الانفجار، ولكنهم منعوه من ممارسة سلطاته مثل إمامة الصلاة، وطرد من المسجد بالحجارة٣، لذلك جرى الحفاظ على حياته طيلة تلك المدة التي حفلت بالجدل حول مسألة هدر دمه، واستباحته والبحث عن مبررات شرعية تسمح بقتل الشخص الذي يسبب الفساد في الأرض٤، ثم صعدوا إجراءتهم ضده فمنعوا الماء والطعام عنه٥، ورجموه بالحجارة وأخذوا يعدون العدة للتخلص منه، ولم يقع مقتله إلا بعد أن يئسوا من قضيتهم مستبقين حملات الدعم التي كانت أخبارها تصل تباعًا إلى المدينة، بالإضافة إلى أنه رفض رفضًا مطلقًا أن يخلع نفسه: "فلا أنزع قميصًا قمصنيه الله عز وجل وأكرمني به، وخصني به على غيري ... "، وفي رواية: "أما الخلع، فما كنت لأخلع سربالًا سربلنيه الله ... "٦، ومعنى ذلك أن الخلافة هبة من الله، ومسئولية صادرة عنه، وأن الإنسان لا يملك حق التهرب من ذلك، وبالتالي لا يمكنه أن يتقبل، ولا يجوز إسقاطه٧.

وفي النهاية، كان على المحاصرين أن يتناقشوا في فكرة القتل، وقد حذرهم عثمان من ذلك لمخالفتها التعاليم الإسلامية من جهة؛ ولأنه سوف يترتب عليها نتائج


١ الطبري: ج٤، ص٣٦٨، جعيط: ص١١٨.
٢ المصدر نفسه: ص٣٨٥.
٣ المصدر نفسه: ص٣٦٤.
٤ المصدر نفسه: ص٣٩٦. جعيط: ص١١٦، ١١٧.
٥ المصدر نفسه: ص٣٧٦.
٦ المصدر نفسه. البلاذري: ج٦ ص٢١٣.
٧ جعيط: ص١١٧.

<<  <   >  >>